الدب الروسي خائف
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

·       اجتمع عشرات من متخذي القرارات وقادة الرأي العام في روسيا والشرق الأوسط نهاية الأسبوع الماضي في منتجع سوتشي برعاية الكرملين للبحث في موضوع "التحولات في العالم العربي ومصالح روسيا". وقد أوحى عدد المشاركين في المؤتمر أن روسيا تريد العودة بكامل قوتها إلى الشرق الأوسط، وأنها تريد مشاركة كاملة في القضية الإيرانية وفي الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني العالق، وتريد أن تؤثر في العالم العربي المتحرر. لكن يبدو أن روسيا ليست بصدد الكشف عن عضلاتها، وإنما هي تشعر بالخوف.

·       وينبع خوف روسيا الأكبر من صعود قوة الإسلام المتطرف، إذ يتساءل الروس: مَن يضمن، بعد تونس ومصر، ألاّ يسيطر الإسلاميون على سورية أيضاً؟ وفي رأيهم، أنه كان ينبغي على إسرائيل أن تدرك ذلك أكثر من الجميع، وكان عليها أن تكون بين الدول المؤيدة للأسد. ويعتقد الروس أن صعود القوى الإسلامية في المنطقة سيزيد في قوة القوى الإسلامية في القوقاز والفولغا أيضاً، الأمر الذي سيؤدي إلى زعزعة الجمهوريات السوفياتية سابقاً في آسيا الوسطى.

·       يسمع الروس كلمة "إسلام" فيشاهدون غلياناً واضطراباً وحرباً أهلية وطائفية وعشائرية وهجرة جماعية ونشوب صراعات إقليمية جديدة. وهم يقولون إن الخيار بين الأسد وبديله ليس خياراً بين الخير والشر، وإنما بين الشر والكارثة.

·       ليس الخوف وحده هو الذي يتحكم بتصرفات الروس، بل هناك أيضاً صدمة ليبيا. فقد كرروا على مسامعنا مرة تلو أخرى الحديث عن "خيانة الغرب" الذي نصب فخاً للروس بصورة قرار مجلس الأمن 1973 الذي نص على إقامة "منطقة حظر طيران" تمنع قتل المدنيين، إلاّ إنه تحول إلى عملية غربية صليبية لإسقاط نظام القذافي انتهت بفقدان السيطرة ومحاربة الجميع للجميع. ويقول الروس إنهم لن يسمحوا للغرب بالاحتيال عليهم ثانية ولن يسمحوا له بالتدخل مرة أخرى في الشؤون الداخلية لدول ذات سيادة.

·       لقد أدى الربيع العربي وسياسة العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران إلى خسارة روسيا عقود بيع للسلاح بقيمة 10 مليارات دولار. وتجدر الإشارة إلى  أن مبيعات السلاح الروسي إلى سورية قد تضاعفت خلال الأعوام الأربعة الاخيرة وبلغت 4,7 مليار دولار. كما يخاف الروس من أن يؤدي سقوط الأسد إلى فقدان موطئ قدمهم في ميناء طرطوس على البحر المتوسط، وهو القاعدة العسكرية البحرية الوحيدة التي يملكونها خارج الاتحاد السوفياتي السابق.

·       لقد عبر المندوبون العرب في المؤتمر عن خيبة الأمل والإحباط والغضب إزاء روسيا، وقالوا لمضيفيهم علناً إن تأييدهم للأسد سيحلّ دم معارضيه. إلا إن الروس يخافون فقدان مصداقيتهم وسمعتهم الدولية أكثر مما يخافون من خسارتهم العالم العربي. ففي رأيهم يستطيع الأميركيون أن يخونوا حلفاءهم، وانظروا ماذا حدث لمبارك، لكنهم هم لن يتخلوا أبداً عن حلفائهم التاريخيين.

·       وفي النهاية، فإن التأييد الحاسم للأسد يرمي إلى السماح لموسكو بالظهور أمام الغرب بصفتها قوة عظمى عالمية. ولا شيء يضاهي الفرصة التي تقدمها معركة انتخابية من أجل مواجهة العالم كله وإعادة المجد الغابر، ولا سيما في ظل التكهنات التي تتوقع أن يكون مصير بوتين مثل مصير الأسد.

ومما لا شك فيه أن هذا هو الخوف الأكبر الذي يشغل الدب الروسي اليوم، إذ لم يكن لدى أحد من المشاركين في المؤتمر في سوتشي أدنى شك في أن بوتين سيكون الرئيس المقبل لروسيا. بيد أن الرأي السائد، الذي هُمس به في الغرف المغلقة، هو أنه لن يتسنى له إتمام ولايته.