تقرير ليفي: إعادة إحياء النقاش بشأن حقوق إسرائيل في الضفة الغربية
المصدر
مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية

تأسس في سنة 1993 على يد الدكتور توماس هيكت، وهو من زعماء اليهود في كندا، وكان تابعاً لجامعة بار إيلان، وأُطلق عليه هذا الاسم تخليداً لذكرى اتفاق السلام الإسرائيلي -المصري الذي وقّعه مناحيم بيغن وأنور السادات. يعالج مسائل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني والصراعات في المنطقة والعالم. يميل نحو وجهة نظر اليمين في إسرائيل. كما أصدر المركز مئات الدراسات والكتب باللغتين العبرية والإنكليزية.

– Perspectives Paper رقم 176
المؤلف

·       في وقت سابق من هذا الشهر، تسلم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو تقرير "لجنة فحص وضع البناء في يهودا والسامرة" برئاسة القاضي السابق في المحكمة العليا إدموند ليفي (تقرير ليفي). وقد أثار التقرير موجة من الانتقادات بسبب تضمنه فقرة عن شرعية النشاط الاستيطاني الإسرائيلي.

·       وعلى النقيض من الانتقادات المضللة، والمخادعة جداً في بعض الأحيان، فإن نقاش التقرير لشرعية المستوطنات جاء متواضعاً في مضمونه إلى درجة مفاجئة، وجلّ ما توصل إليه هو إقرار الموقف الإسرائيلي الرسمي بأن اتفاقية جنيف الرابعة لا تنطبق قانوناً على الضفة الغربية، ولا تحظر في أي حال المستوطنات الإسرائيلية. ومع أن التحليل الوارد في التقرير ليس شاملاً على الإطلاق، إلاّ إنه أكثر تفصيلاً وإقناعاً من التحليل الذي يقدمه عادة الناشطون المناهضون للاستيطان.

·       يورد تقرير ليفي واحداً من سببين مقنعين على الأقل للاستنتاج بأن قوانين الاحتلال الحربي لا تنطبق شرعاً على وجود إسرائيل في الضفة الغربية. فأحد الشروط الأساسية للاحتلال الحربي، بحسب ما أعيد تأكيده مؤخراً في مؤتمر للخبراء نظمته اللجنة الدولية للصليب الأحمر، هو أن يحدث الاحتلال على أرض أجنبية. وفي وقت شهدت فيه الأعوام الأخيرة بعض الجدل بشأن معنى الأرض الأجنبية، فإن الممارسة الرسمية للدول تدعم في جزء كبير منها النظرة التقليدية بأن الأرض المستولى عليها لا تعتبر "أجنبية" إلاّ عندما تكون خاضعة لسيادة  دولة أخرى عليها. وتنطلق لجنة ليفي من محاججة راسخة في القول بأنه لا الأردن ولا أي دولة أجنبية أخرى كانت تملك السيادة على أراضي الضفة الغربية في سنة 1967، وبالتالي لا يمكن اعتبار الأرض "أجنبية" وفقاً  لقانون الاحتلال الحربي.  بالتأكيد، لقد كان في إمكان لجنة ليفي، لو أرادت ذلك، أن تحاجج بطريقة مقنعة بأن إسرائيل نفسها كانت تتمتع بالسيادة الشرعية على الضفة الغربية في سنة 1967.

·       يشكل اتفاق السلام بين إسرائيل والأردن، الذي لم يأت التقرير على ذكره، سبباً ثانياً للتشكيك في التطبيق القانوني لقوانين الاحتلال الحربي على الضفة الغربية. وكما كتب يورام دنشتين منذ فترة، لا يمكن تطبيق قواعد الاحتلال الحربي على الوجود الإسرائيلي في الضفة الغربية "على ضوء التأثير المشترك لـ... معاهدة السلام الأردنية - الإسرائيلية لسنة 1994 وسلسلة الاتفاقات مع الفلسطينيين. فليس هناك ببساطة مجال للاحتلال الحربي في غياب العداء، وتحديداً الحرب." ...

·       وفي موضوع المستوطنات، يورد تقرير ليفي أيضاً العديد من الحجج القوية التي تبرهن أنه حتى لو كانت قوانين الاحتلال الحربي تنطبق على الوجود الإسرائيلي في الضفة الغربية، فإن اتفاقية جنيف لا تحظر الأعمال التي تصنَّف في إطار "النشاطات الاستيطانية".

·       فاتفاقية جنيف الرابعة تحظر قيام الدولة المحتلة بـ"نقل" و"ترحيل" أجزاء من سكانها إلى الأرض المحتلة، لكنها لا تحظر "المستوطنات". صحيح أن المسؤولين في دولة إسرائيل قدموا خدمات للمستوطنين، وشجعوهم في بعض الأحيان، لكن دولة إسرائيل لم تنقل أي إسرائيلي إلى الضفة الغربية رغماً عن إرادته. وفي الواقع، وحتى بإقرار ناشطين مناهضين للاستيطان مثل تاليا ساسون، "لم يكن هناك قط قرار مدروس صادر بأمر من دولة إسرائيل أو من أي حكومة إسرائيلية" بشأن المستوطنات. وعلى الرغم من تأييد بعض الحكومات الإسرائيلية التوسيع الجغرافي للمستوطنات أو زيادة عدد سكانها، فإن نمو المستوطنات كان يجري وفقاً لتفضيلات المواطنين الأفراد، ولم تجر عمليات نقل رسمية للسكان الإسرائيليين. وليس هناك أي سابقة تتعلق بصدور حكم بحق أي دولة أخرى لمخالفتها اتفاقية جنيف الرابعة على أساس السماح بالتفضيلات الخاصة فقط أو تسهيلها، كما فعلت إسرائيل. في الواقع، هذا هو السبب الذي دفع بالدول العربية إلى السعي لإعادة تعريف حظر "النقل" في القانون الدولي عبر إضافة جريمة النقل "غير المباشر" إلى قانون روما الأساسي الذي انبثقت عنه المحكمة الجنائية الدولية. بيد أن إسرائيل لم توقع على قانون روما الأساسي، وليست بالتالي ملزمة بالمعيار البديل الأكثر تقييداً.

·       تلفت لجنة ليفي إلى أنه حتى لو كان تسهيل الاختيار الخاص لسكن اليهود في الضفة الغربية  هو بمثابة "نقل" مشبوه، تنطبق عليه القوانين الخاصة في هذا المجال، فإن المادة السادسة من الانتداب على فلسطين تنص على وجوب "تشجيع اليهود بالتعاون مع الوكالة اليهودية على استيطان  الأرض، بما في ذلك أراضي الدولة ..." وبالاستناد إلى الراحل يوجين روستو، الذي كان عميداً لكلية المحاماة في جامعة ييل، فإن هذه المادة مصانة بالمادة 80 من ميثاق الأمم المتحدة، كذلك المادة 43 من تنظيمات لاهاي في حال كانت الضفة الغربية خاضعة للاحتلال الحربي. فضلاً عن ذلك، إذا كان العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ينطبق، كما تؤكد إسرائيل، على أعمالها في الضفة الغربية، فإن المواد 3 و12 و26 تضفي طابعاً طارئاً وملحاً على الجهود الإسرائيلية لحماية حقوق اليهود في السكن في الضفة الغربية، وذلك في ضوء عقوبة الإعدام التي تفرضها السلطة الفلسطينية على بيع الأراضي لليهود، ودعوة كبار المسؤولين الفلسطينيين علناً إلى قيام دولة فلسطينية خالية من اليهود.

·       انتقدت تاليا ساسون، التي سبق أن وضعت تقريراً مثيراً للجدل عن البؤر الاستيطانية سنة 2005، اللجنة، واعتبرت أن الأحكام الصادرة عن المحكمة العليا الإسرائيلية تتناقض مع الخلاصات التي توصلت إليها هذه اللجنة. لكن خلافاً لتأكيدات ساسون، وعلى الرغم من أن المحكمة العليا فصلت في قضايا معينة على أساس اضطلاع إسرائيل طوعاً ببعض مهمات المحتل الحربي، إلاّ إنها لم تحكم قط بأن اتفاقية جنيف الرابعة تنطبق قانوناً على الضفة الغربية.

·       وقد زعم أيال غروس وديفيد كرتزمر في سياق معارضتهما لتقرير ليفي أنه إذا كانت قوانين الاحتلال الحربي لا تنطبق قانوناً على الضفة الغربية، فإن إسرائيل تفتقر إلى السلطة لتمكين قائد عسكري من القيام بأعمال مثل مصادرة أملاك في الأراضي المحتلة. لكن غروس وكرتزمر أخطآ في استنتاجهما هذا، فالقانون الإداري الإسرائيلي، وليس القانون الدولي، هو الذي يحدد الصلاحيات الممنوحة للقادة العسكريين الإسرائيليين، وليس هناك ما يمنع إسرائيل من منح صلاحيات متنوعة لقائدها العسكري في الضفة الغربية في غياب وضع يمكن وصفه قانوناً بأنه احتلال حربي. ويضعنا التاريخ أمام أمثلة أكثر تطرفاً، فقد فرضت الولايات المتحدة أنظمة عسكرية كاملة على الولايات الكونفدرالية المهزومة بعد الحرب الأهلية، وعلى بورتو ريكو عقب توقيعها معاهدة سلام مع إسبانيا، على الرغم من أن الولايات كانت أرضاً أميركية ولم يكن هناك بالتأكيد احتلال حربي بحكم القانون.

·       اعتبر البعض أن تقرير ليفي حماقة سياسية، مشيرين إلى أن الرسالة التي توجهها إسرائيل من خلال تأكيدها على حقوقها القانونية، هي أنها غير مستعدة لتقديم تنازلات على أساس "الأرض مقابل السلام"، فهذه النظرية  مشكوك فيها، إذ سبق  أن أكدت إسرائيل حقوقها على القدس طوال عقود، لكنها عرضت مراراً وتكراراً تقديم تنازلات فيما يتعلق بحقوقها في المدينة.

·       وقال آخرون إنه في الامكان تفنيد الخلاصات التي توصل إليها تقرير ليفي من جانب رجال قانون دوليين، بما في ذلك رأي استشاري خاضع للنقاش غير ملزم لمحكمة العدل الدولية، وعلى غرار الكثير من المسائل القانونية المثيرة للجدل. صحيح أنه يمكن تحليل المسائل التي تطرقت إليها لجنة ليفي بطرق عدة، إلاّ إن الخلاصات التي توصلت إليها هذه اللجنة هي بمثابة تطبيقات منطقية من أجل فهم معقول للقواعد في منطقة لم يتم التوصل فيها بعد إلى تسوية حاسمة للنزاع.

·       لقد أعاد تقرير ليفي إحياء النقاش بشأن شرعية الموقف الإسرائيلي في ظل القانون الدولي بعد أعوام طويلة التزمت فيها إسرائيل الصمت إزاء حقوقها القانونية.