فصول من كتاب دليل اسرائيل
معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
· أثار موت الحاخام مناحم فرومان [1945-2013] قبل شهر، الحزن في قلوب كثيرين من أتباعه ووسط جمهور متعدد ومختلف من الناحية الأيديولوجية. فقد كان الحاخام فرومان رمزاً للعمل الخلاّق والعميق من أجل السلام من دون تحفظ أو خوف. وتقترح حركة "أرض السلام" [التي أقامها الحاخام فرومان] بين مبادئها، السماح في إطار اتفاق السلام للمستوطنين الراغبين في التخلي عن هويتهم الإسرائيلية، بالحصول على المواطنة الفلسطينية في مقابل البقاء في أرضهم. فمن وجهة نظر الحركة، فإن وجود أقلية يهودية في الدولة الفلسطينية سيشكل ضمانة للديمقراطية.
· خلال الجولات السابقة من المفاوضات السياسية بشأن الاتفاق الدائم، طُرحت هذه الفكرة من جانب المفاوضين الفلسطينيين تحديداً، الذين قالوا للمفاوضين الإسرائيليين: "أهلاً وسهلاً"، ودعوا كل الذين يرغبون في ذلك إلى أن يصبحوا مواطنين فلسطينيين.
· سيكون مطلوباً من أية حكومة إسرائيلية في المستقبل إذا أرادت أن تطبق علمياً ما يعنيه مبدأ "دولتين لشعبين"، الإخلاء الكثيف للمستوطنات الواقعة خارج الكتل الاستيطانية الكبرى، والتي يعيش فيها نحو 100 ألف شخص. فكل سيناريو يتعلق بالانفصال عن الفلسطينيين سواء نتيجة اتفاق - أو بقرار إسرائيلي مستقل - سيتطلب إخلاء المستوطنات الواقعة خارج المراكز الاستيطانية الكبرى، وهو ما سيشكل اختباراً وتحدياًً وطنياً صعباً ومؤلماً من الناحيتين الإنسانية والاجتماعية، وسيشكل مشكلة من الناحية السياسية.
· إن أي خطة للاتفاق الدائم ستتطلب لدى تنفيذها إخلاء مستوطنات تقع خارج هذا الخط أو ذاك، الأمر الذي يعني إجلاء عشرات الآلاف من الناس. ومنذ الآن تبدو الصعوبات واضحة، وفي قدرتنا التغلب عليها بواسطة التخطيط الوطني المسبق للإخلاء، وعبر التعويض الملائم، والحوار الداخلي الذي يوحّد إسرائيل، والتشريعات الملائمة، وخطة استيعاب شاملة. علاوة على ذلك، فإن إجلاء عشرات الآلاف من منازلهم ومستوطناتهم، بما في ذلك الإجلاء بالقوة لمَن يرفض الانصياع لأوامر الحكومة، سيكونان مهمة صعبة للغاية بالنسبة إلى الدولة قد تؤدي إلى سفك الدماء، وإلى حرب أهلية.
· من هنا الحاجة إلى أفكار أُخرى تساهم في تقليص عدد الإسرائيليين الذين يعيشون خارج الحدود النهائية لدولة إسرائيل، والذين سنحتاج إلى إجلائهم. وعلى هذا الأساس تُطرح فكرة البحث في إمكان بقاء مستوطنات يهودية داخل الدولة الفلسطينية، لدى قيامها، شرط أن يجري ذلك ضمن إطار الاتفاق النهائي الذي سيحدد نهاية النزاع.
· نعترف بأن النموذج المقترح ربما يبدو غير واقعي البتة من الناحية الأمنية، ولا سيما إذا أخذنا في الاعتبار مسؤولية الدولة عن أمن جميع مواطنيها سواء منهم الذين يعيشون داخل حدودها أو خارجها، لكن على الرغم من ذلك، فإن هذا المقال سيعالج إمكان وجود جيوب يهودية تابعة للسيادة الفلسطينية، من دون التعبير عن موقف سياسي أو رسمي.
· إن الفكرة المطروحة ليست استثنائية، فالخريطة السياسية العالمية تُظهر وجود 300 جيب إقليمي في مختلف أنحاء العالم، بينها 200 جيب بالقرب من الحدود بين الهند وبنغلادش، وعشرين جيباً على الحدود بين هولندا وبلجيكا، وسائر الجيوب موزعة في أنحاء شتى في أوروبا وآسيا.
· وإذا أردنا نظرياً تطبيق هذا النموذج على المستوطنات الواقعة خارج الكتل الاستيطانية الكبرى فإننا سنكون أمام ثلاث فئات: جيوب إسرائيلية داخل الأراضي الفلسطينية؛ مستوطنات إسرائيلية تتمتع باستقلال ذاتي تحت السيادة الفلسطينية؛ مستوطنات يهودية واقعة في أراضي الدولة الفلسطينية من دون أن يكون لها وضع خاص.
· إن المستوطنات الكبرى - إفرات، ومعاليه أدوميم، وكريات أربع - والتي تتضمن عشرات الآلاف من السكان، ستبقى تابعة للسيادة الإسرائيلية الكاملة، وستشكل جزءاً من دولة إسرائيل، وسيبقى سكانها إسرائيليون. وسيظل الانتقال بين هذه المستوطنات وبين سائر أراضي دولة إسرائيل عبر طرق المواصلات المتفق عليها، وستكون الحركة على هذ الطرق حرة ولا تخضع لرقابة الدولة الفلسطينية. ويبلغ عدد سكان هذه المستوطنات اليوم 69 ألفاً، وتبلغ مساحة المنطقة المبنية في هذه المستوطنات 7700 دونم. وسيجري أخذ مساحة هذه الأرض في الاعتبار، لدى مناقشة تبادل الأراضي بين دولة إسرائيل والدولة الفلسطينية.
· ووفقاً للنموذج الذي يجري درسه هنا، فإن عشر مستوطنات يتراوح سكان كل واحدة منها ما بين 2000 إلى 7000 شخص، وهي: بيت - إيل، وعوفرا، وعمانوئيل، وكفار أدوميم، وكوخاف يعقوف، وعيلي، وكدوميم، وطلمون، وكرني شومرون، وشيلو، ستبقى داخل أراضي الدولة الفلسطينية وخاضعة لسيادتها، لكنها ستتمتع بحكم ذاتي كامل. وسيحتفظ كل إسرائيلي يقرر البقاء في هذه المستوطنات بهويته الإسرائيلية، وستدير هذه المستوطنات حياتها بنفسها في جميع المجالات البلدية، والاجتماعية، والإدارية، وفي مجالات التعليم والرفاه والصحة وغيرها. ويبلغ مجموع السكان في هذه المستوطنات كلها نحو 40 ألف نسمة، بينما تصل مساحة الأرض المبنية إلى 8500 دونم.
· أمّا سكان المستوطنات الصغيرة والمعزولة - الذين يبلغ عددهم نحو 65 ألف نسمة، بينهم نحو 36 ألفاً قد يقررون البقاء في منازلهم - فيستطيعون الاحتفاظ بهويتهم الإسرائيلية والحصول على الهوية الفلسطينية. وستكون هذه المستوطنات تابعة للسيادة الكاملة للدولة الفلسطينية. وسيحتفظ سكان هذه المستوطنات بأملاكهم الفردية وبالأملاك العامة التي أقيمت عليها المستوطنة، لكن فيما يتعلق بسائر الموضوعات، ولا سيما حق الاقتراع، فإنهم سيكونون مواطنين في الدولة الفلسطينية. وسيخضع هؤلاء لسيادة الدولة الفلسطينية وقوانينها مثلما يخضع عرب إسرائيل لسيادة دولة إسرائيل. ولن يجري أخذ مساحة الأراضي التي تقوم عليها هذه المستوطنات في الاعتبار، لدى البحث في تبادل الأراضي بين إسرائيل والدولة الفلسطينية.
· وفي حال جرى الأخذ بهذه المبادىء في الاتفاق الدائم، فإن هذا سيضمن استمرار وجود جزء من المستوطنات اليهودية، ولن يكون هناك حاجة إلى إخلائها بالقوة. وسيُترك للمستوطنين أنفسهم خيار العودة إلى إسرائيل أو البقاء في منازلهم. ومن المحتمل مع مرور الزمن أن يقرر عدد من هؤلاء، أو أغلبيتهم، العودة إلى دولة إسرائيل طوعاً من خلال الحصول على تعويضات عن أملاكهم التي تركوها في المستوطنات التي غادروها، كما من المحتمل أن يرغب عدد آخر من هؤلاء البقاء داخل الدولة الفلسطينية، وفقاً للنماذج المعروضة سابقاً.