تضارب تصريحات المسؤولين في الغرب بشأن كيفية وقف المشروع النووي الإيراني دليل على أنهم لم يحسموا موقفهم بعد من الموضوع
المصدر
مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية

تأسس في سنة 1993 على يد الدكتور توماس هيكت، وهو من زعماء اليهود في كندا، وكان تابعاً لجامعة بار إيلان، وأُطلق عليه هذا الاسم تخليداً لذكرى اتفاق السلام الإسرائيلي -المصري الذي وقّعه مناحيم بيغن وأنور السادات. يعالج مسائل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني والصراعات في المنطقة والعالم. يميل نحو وجهة نظر اليمين في إسرائيل. كما أصدر المركز مئات الدراسات والكتب باللغتين العبرية والإنكليزية.

– "وجهات نظر"،الورقة رقم 166

·       في الآونة الأخيرة أدلى عدد كبير من كبار المسؤولين السياسيين في الولايات المتحدة وإسرائيل وأوروبا بتصريحات علنية تتعلق بكيفية وقف المشروع النووي الإيراني. لكن عدداً قليلاً من بينهم كان يقصد فعلاً ما يقوله أو يؤمن به. وقد أدى التعارض بين هذه التصريحات إلى حالة من الارتباك، وكشف عدم التنسيق في المواقف. وحتى الآن يبدو أن الطرف الوحيد الذي لا يعاني من الارتباك هو إيران التي تعتقد أن ليس هناك من ينوي جدياً وقف برنامجها النووي.

·       عندما نلقي نظرة على هذه التصريحات المتناقضة، نجد وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا يعرب عن تقديره أن إسرائيل ستهاجم إيران في الفترة الواقعة بين نيسان/أبريل وحزيران/ يونيو من هذا العام. لكن بعد ذلك مباشرة يصرح الرئيس الأميركي باراك أوباما بأن إسرائيل لم تتخذ قرارها بمهاجمة إيران. أمّا رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي الجنرال مارتين ديمبسي فقد ألمح خلال الزيارة التي قام بها مؤخراً لإسرائيل إلى عدم وجود تفاهم أو تنسيق بين إسرائيل والولايات المتحدة، وقال أنه لا يعلم ما إذا كانت إسرائيل ستخطر الولايات المتحدة مسبقاً بهجومها على المنشآت النووية الإيرانية في حال إقدامها على ذلك، وذلك في الوقت الذي قال فيه أوباما إن التنسيق بين إسرائيل والولايات المتحدة اليوم هو أفضل من أي وقت سابق.

·       ويبدو أن ما يدور هو عبارة عن عملية شد حبال، ففي حين يقوم بعض المسؤولين بالتصعيد وبشد الحبال من أمثال بانيتا وديمبسي، يقوم آخرون بتهدئة الأمور مثلما حاول أوباما أن يفعل من خلال تصريحاته المعتدلة.

·       يقول أوباما إنه يجب عدم استبعاد أي خيار، بما في ذلك الخيار العسكري، الذي يجب أن يبقى كخيار أخير. وتؤمن إدارته بضرورة إعطاء فرصة للعمل الدبلوماسي وللعقوبات القاسية ضد تصدير النفط الإيراني. وما يتخوف منه أوباما هو أن يكون توجيه إسرائيل ضربة عسكرية لإيران هذا الصيف أمراً سابقاً لأوانه ومن شأنه تخريب العقوبات وتوريط الولايات المتحدة في حرب جديدة وهي على أعتاب انتخابات رئاسية.

·       في المقابل، هناك حاجة إلى التهديد بعمل عسكري من أجل إقناع القوى العظمى المترددة، مثل روسيا والصين، بأن العقوبات القاسية هي السبيل الوحيد للحؤول دون توجيه ضربة عسكرية إلى إيران، والتي ستكون بحسب الجميع كارثية.

·       هناك اختلافات في الرأي داخل إسرائيل بشأن الضربة العسكرية لإيران وبشأن توقيتها. ومن غير الواضح حتى الآن ما إذا كانت التصريحات الأخيرة لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع إيهود باراك ووزير الشؤون الاستراتيجية "موشيه" يعالون تهدف إلى زيادة الضغط على المجتمع الدولي ودفعه إلى اتخاذ عقوبات أكثر تشدداً ضد إيران، أم أنها تعكس تصميماً على منع إيران من الحصول على القدرة النووية بكل الوسائل.

·       تشكك إسرائيل أكثر من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في قدرة العقوبات، حتى الصارمة منها، على وقف تقدم المشروع النووي الإيراني، وهي تعتقد أن العمليات السرية التي استهدفت العلماء الإيرانيين والمرافق الإيرانية النووية لن تفعل أكثر من تأخير الطموحات الإيرانية. وفي جميع الأحوال فإن التسريبات الأخيرة الصادرة عن مسؤولين أميركيين بشأن وقوف إسرائيل وراء الاغتيالات والتفجيرات في إيران أظهرت عدم التنسيق بين الحليفين. وعلى ما يبدو فإن الولايات المتحدة متخوفة من رد إيراني إرهابي على ما حدث ضد أهداف أميركية، وهي تريد أن تقول : "لسنا نحن من فعل ذلك، وإنما إسرائيل."

·       من جهتها ردت إيران على العقوبات القاسية التي فرضت عليها بالقول إنها ستقدم على إغلاق مضائق هرمز، ولكنها تراجعت عن ذلك  بعد إعلان الولايات المتحدة أنها ستعيد فتح المضائق بالقوة، فصرح مسؤول إيراني رفيع المستوى أنه في ضوء تخطيط إسرائيل لمهاجمة إيران، فإنه يتعين على بلاده أن تتخذ إجراءات وقائية وأن تشن هجمات إرهابية في شتى أنحاء العالم. في وقت قال مسؤول إيراني آخر إن إيران مستعدة للعودة إلى المفاوضات للتحاور مع الولايات المتحدة وأوروبا.

·       لكن في حال فرض عقوبات أكثر قساوة على إيران، وإقدام هذه الأخيرة على إغلاق مضائق هرمز، فإن الولايات المتحدة ستضطر إلى استخدام القوة من أجل إعادة فتح المضائق، وتدمير المنشآت النووية الإيرانية. لذا فإذا كانت القيادة الإيرانية عقلانية، فإنها لا بد من أن تكون تراوغ في هذا الموضوع وهي لن تقدم على إغلاق مضيق هرمز.

·       تتفق أغلبية الدول في العالم على ضرورة منع إيران من الحصول على القدرة النووية، لكنها تختلف فيما بينها بشأن كيفية تحقيق ذلك، إذ ترفض روسيا والصين الضربة العسكرية وتقولان إن نتائجها ستكون أسوأ بكثير من تحول إيران إلى دولة نووية، وهما تعارضان فرض عقوبات قاسية وتدعوان إلى استئناف المفاوضات مع طهران. ويعارض الزعماء الأوروبيون الهجوم العسكري أيضاً، ويرون أن العقوبات الصارمة هي السبيل الوحيد للحؤول دون حدوثه، وقد قرروا تطبيق هذه العقوبات بدءاً من تموز/يوليو المقبل. وإذا كانت إيران على وشك صنع السلاح النووي، فإن هذه العقوبات ستصبح عقيمة، فضلاً عن ضرورة مشاركة روسيا والصين في هذه العقوبات كي تصبح فعالة.

·       لقد اقترحت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي التفاوض مع إيران في مقابل تجميدها تخصيب اليوارنيوم، الأمر الذي رفضته إيران، وهذا يعني أن الإيرانيين مستعدون للتفاوض شرط أن يمنحهم هذا الوقت الكافي لاستكمال صنعهم القنبلة النووية.

·       وكان دنيس روس، المستشار السابق في الإدارة الأميركية، قد نشر مقالاً في صحيفة "نيويورك تايمز" قال فيه إنه حان الوقت للبدء بالتفاوض مع إيران. وقد تفسر إيران هذا الكلام بأنه علامة ضعف من جانب الأميركيين، وقد تستغل المفاوضات لتجنب التعرض لمزيد من العقوبات في الوقت الذي تقترب فيه من الحصول على السلاح النووي.

·       يدعي مسؤولون روس وكبار المسؤولين الأميركيين والأوروبيين أن العقوبات الحالية أوجدت أزمة خانقة بالنسبة إلى القيادة الإيرانية والحكومة هناك، وأنها سوف تفتح المجال أمام المسار الدبلوماسي. وفي رأيي أن هذا تقدير خطأ، فلا يكفي أن تخلق العقوبات أزمة كي تكون فعالة، وإنما يجب أن تقنع الحكومة الإيرانية بأن ثمن العقوبات التي تهدد جوهر بقائها أكبر بكثير من فوائد  تحولها إلى قوة نووية. وهذا لم يحدث حتى الآن.

·       إن الأمر الوحيد الذي قد يدفع  آيات الله إلى تغيير أهداف مشروعهم النووي هو المزج بين التهديدات العسكرية ذات الصدقية وبين العقوبات الصارمة. لكن حينما تبدو التهديدات العسكرية غامضة نتيجة التصريحات المتناقضة لقادة العالم، وعندما يؤجل قرار فرض عقوبات صارمة على إيران لعدة أشهر ولا يشمل دولاً عظمى، فمن المتوقع أن تواصل إيران تطوير سلاحها النووي من دون خوف أو عرقلة.

وللأسف الشديد، يبدو حالياً أن الغرب ليس مصمماً فعلاً على وقف مشروع التسلح النووي الإيراني.