الاستثمارات الصينية في إسرائيل: فرصة أم خطر وطني؟
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
المؤلف

·      المعلومات التي نُشرت بشأن لقاءات الأشهر الأخيرة بين أصحاب شركة تنوفا واتحاد المأكولات الصينية برايت فود لبيع الشركة، إلى جانب المعلومات التي تحدثت عن بيع شركة كلال للتأمين إلى مجموعة من المستثمرين الصينيين، اُثارت جدلاً عاصفاً في إسرائيل عن التسلل الصيني إلى البلد. وبالفعل، فإن عدداً من الشركات الصينية بدأ يهتم جدياً بالاستثمار في إسرائيل بدءاً من العام 2010، ولا سيما في شركات التكنولوجيا. وشهدت سنة 2011 أكبر استثمار تقوم به شركة صينية في إسرائيل وهو شراء نحو 60% من شركة مِخْتاشيم – أجان، وهي من الشركات العالمية في مجال المواد الكيميائية للزراعة، وذلك من قبل شركة الكيميائيات الصينية Chem China، بمبلغ 1,44 مليار دولار. ويمكن أن نضيف إلى ذلك استثمارات صينية مباشرة حجمها نصف مليار دولار في صناعات إسرائيلية أغلبيتها في شركات التجهيزات الطبية المتطورة والتكنولوجيا الزراعية، إلى جانب تعاون بملايين الدولارات بين المؤسسات الأكاديمية في إسرائيل والجامعات في الصين.

·      يستند التخوف من انتقال السيطرة في الشركات الإسرائيلية العاملة في مجال التكنولوجيا والمعادن والبنى التحتية إلى مستثمرين وشركات صينية، إلى حجج مختلفة أبرزها حجتان أساسيتان.

·      الحجة الأولى تتعلق بمواقف الصين ومحاولاتها وأهدافها السياسية - الاستراتيجية في الشرق الأوسط، وبحسبها فإن الصين تتبنى موقفاً مؤيداً للإسلام وتدافع عن الأنظمة الأكثر عداء لإسرائيل مثل إيران وسورية. وفي الماضي، ساعدت الصين إيران في برنامجها النووي، كما اتهمت في الفترة الأخيرة بإضعاف العقوبات الدولية المفروضة على إيران. وإلى جانب ذلك، تسعى الصين إلى إقامة بنية تحتية لخطوط ومواصلات بحرية في المنطقة، وهي تبدي اهتماماً متزايداً بالتطورات السياسية- الاستراتيجية. في ظل هذه الظروف، هناك من يقول إنه من المتوقع أن تتبنى الصين مواقف معادية لإسرائيل في المواجهات التي قد تنشأ في المنطقة، وربما حتى ستحاول التأثير في نتائجها بطريقة تلحق الضرر بإسرائيل. وفي رأي المعارضين أن نشاط الشركات الصينية قد يستخدم كذراع من جانب النظام بما يساعده في السيطرة على مفاصل مهمة في الدولة، ويسمح له بالوصول إلى معلومات وموارد تكنولوجية وأصول مهمة أخرى.

·      ثمة حجة أخرى تتعامل مع صورة الصين كدولة تسعى إلى نقل التكنولوجيا المتقدمة والموارد الأساسية إلى حدودها متجاهلة القواعد والقوانين. واستناداً إلى هذه الحجة، فإن شراء السيطرة على الشركات الإسرائيلية والتعاون بين المؤسسات الأكاديمية في الدولتين، ستستخدمه الصين لنقل التكنولوجيا المتقدمة من إسرائيل إلى الصين، ونهب أرصدتها الأكثر أهمية. وتظهر خطورة هذا التهديد في ظل افتراض أن الصين ستعمل لإضعاف إسرائيل لأسباب سياسية واستراتيجية. والخلاصة هي بما أنه من الصعب ومن غير المرغوب فيه قطع الطريق أمام دخول الشركات الصينية إلى إسرائيل، فإنه يجب التعامل مع هذه الشركات بوصفها ذراعاً للنظام تحمل خطراً على الدولة، وبالتالي يجب منعها من الوصول إلى أرصدة ومشاريع ذات أهمية وطنية في إسرئيل.

·      وفي المقابل، يرفض المؤيدون للاستثمارات الصينية في إسرائيل الحجج السابقة، ويرون أن الشركات الصينية بغض النظر عن أصحابها، شركات اقتصادية تتحرك انطلاقاً من اعتبارات الربح والخسارة. وفي رأيهم، تمر الصين بتغيرات سريعة، ونتيجة لذلك أصبحت الشركات المحلية تعمل بصورة مشابهة للشركات الأجنبية الأخرى، ولذا يجب ألا نفرض على هذه الشركات قيوداً خاصة. والأساس الذي تستند إليه هذه الحجة هو صعود الصين إلى قمة المستثمرين العالميين وفتح دول في جميع أنحاء العالم أبوابها أمام الاستثمارات الصينية، بما في ذلك دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة. كما يقول مؤيدو الاستثمارات الصينية إن دولاً أخرى لا تقل حساسية عن إسرائيل بالنسبة لموقف الصين، وعلى الرغم من ذلك، فإنها تسمح بنشاط الشركات الصينية. كما يمكن أن نضيف إلى ذلك، أنه نظراً إلى تحول الصين إلى الدولة الاقتصادية العظمى الثانية في العالم (ومن المتوقع أن تتجاوز الولايات المتحدة خلال نهاية هذا العقد)، وفي مواجهة المصاعب الاقتصادية لدول الغرب، فإنه يتعين على الاقتصاد الإسرائيلي أن يطور علاقات الاستثمار والتجارة مع الصين – وإلا تعرقل تطوره. أما في ما يتعلق بانتقال التكنولوجيا من إسرائيل، فيعترف مؤيدو الاستثمارات الصينية أن بيع شركة إلى شركة أخرى ينطوي دائماً على مخاطرة. ولكن في العالم المعولم، فإن العلاقة بين التكنولوجيا القومية والتكنولوجيا التجارية تحديداً، هي علاقة ملتبسة.

·      لا يغطي هذا الجدل جميع جوانب المسألة، لكننا حتى لو استبعدنا جزءاً من حجج الطرفين، فلا يمكننا تجاهل مسائل أساسية مطروحة في هذا الإطار. فالنشاط الصيني في إسرائيل جزء من ظاهرة عالمية تعكس الاندماج المتزايد للصين في الاقتصاد العالمي وفي ضوء اتجاهات نموّه، من المتوقع أن تزيد الشركات والاتحادات العلمية والتكنولوجية الصينية نشاطها في إسرائيل بما في ذلك في مجالات حساسة مثل البنى التحتية والموارد الطبيعية. ونظراً إلى كون إسرائيل دولة تعتمد على مصادر تمويل واستثمار خارجية، فمن الصعب عليها أن تمنع حدوث ذلك.

·      وفي ضوء هذه الظروف، المطلوب من إسرائيل أن يكون لديها توجه حذر ومدروس يأخذ في الاعتبار الحجج المؤيدة والمعارضة لزيادة نشاط الشركات الصينية في البلد. ويمكننا أن ننتظر، لا بل أن نتطلع، إلى أن تواصل الشركات الصينية اهتمامها بالاقتصاد والتكنولوجيا الإسرائيليين، وأن تزيد نشاطها في إسرائيل، لأن عدم قيامها بذلك لن يؤدي إلى حرمان إسرائيل من موارد اقتصادية مهمة فحسب، بل سيحرمها أيضاً من وسائل سياسية، فالاعتبارات الاقتصادية محرك مهم في بلورة العلاقات الخارجية الصينية، وزيادة الاستثمارات ونشاط الشركات الصينية في إسرائيل يمكنه أن يمنح إسرائيل وسائل معينة لتعزيز العلاقة مع الصين. في المقابل، فإن إغلاق الباب في وجه الصين سيبقي إسرائيل من دون وسائل تأثير عليها، في وقت يتصاعد فيه تدخلها ونفوذها في منطقة الشرق الأوسط.

لكن لا تستطيع إسرائيل أن تسمح لنفسها بفتح أبوابها أمام الشركات الصينية من دون تفحّص ومراقبة. ويجب أن يجري هذا فوراً ومن خلال آلية ثابتة توضع لهذا الغرض تأخذ بمجمل وجهات النظر السياسية والاستراتيجية والاقتصادية والتكنولوجية المتعلقة بنشاط الصين في إسرائيل والمنطقة. وعلينا ألا نتخوف من أن يثير ذلك استياء الصين، نظراً إلى أن هذا النوع من الفحص يطبق في دول متعددة من العالم تقيم الصين معها علاقات اقتصادية.