قدرة نتنياهو على تنفيذ تهديداته ضد السلطة الفلسطينية محدودة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

·      إن الغطرسة التي تظهرها إسرائيل منذ منتصف الأسبوع الماضي، أي منذ انهيار الاتصالات المتعلقة بتمديد المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، ليست في مكانها. صحيح أن السلطة الفلسطينية طرحت في اللحظة الأخيرة مطالب مستحيلة، في الوقت الذي خُيل للإسرائيليين وللأميركيين أن الصفقة تبلورت، لكن إذا أصرت إسرائيل على إنهاء المحادثات كما يطالب اليوم الجناح اليميني في الحكومة، فإنها ستسير في طريق نهايته ستكون عودة الإرهاب إلى شوراع المدن في إسرائيل.

·      لن يحدث هذا غداً نظراً إلى أن الجيش الإسرائيلي والشاباك مستعدان اليوم بصورة أفضل لمواجهة الهجمات، ولأن القيادة الفلسطينية، على عكس القيادة التي كانت بزعامة ياسر عرفات في أيلول/سبتمبر 2000، تتحفظ اليوم عن إرهاب الانتحاريين. لكن عدم وجود أفق سياسي والجمود الاقتصادي في المناطق (الذي من شأنه أن يزداد حدة في حال تقلصت المساعدة الاقتصادية الخارجية المخصصة لأجهزة السلطة)، يمكن أن يؤديا في النهاية إلى عودة أحداث الانتفاضة الثانية.

·      وفي الواقع، فإن هذا يشكل قنبلة موقوتة تتكتك بهدوء يعيها مسؤولو الأجهزة الأمنية جيداً حتى لو فضلت الطبقة السياسية تجاهلها. والهدوء النسبي في الضفة الغربية الذي بدأ يتزعزع تدريجياً منذ الصيف الماضي، سيتعرض لخطر واضح ومباشر في حال لم تجر المحافظة ولو شكلياً على أمل.

·      ومثل العديد من المسائل التي تتعلق بعلاقة إسرائيل مع جيرانها، فهناك ثغرة واضحة بين الخطاب الإسرائيلي العلني في الأيام الأخيرة، وسلة الوسائل التي تملكها إسرائيل عملياً حيال تجدد التوتر مع الفلسطينيين. وعلى الرغم من هجمة التهديدات الإسرائيلية منذ منتصف الأسبوع الماضي، فإن قوة الخطوات المضادة التي تستطيع إسرائيل القيام بها رداً على المطالب الفلسطينية محدودة جداً. وعندما سيبحث نتنياهو هذه الخطوات سيضطر إلى أن يأخذ بالاعتبار ليس فقط الإدانات القوية الصادرة عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بل الضرر المحتمل الذي سيلحق بالتعاون الأمني مع أجهزة السلطة في الضفة الغربية. وقد تؤدي الخطوات المتشددة إلى سقوط الغصن الذي تجلس عليه ليس السلطة وحدها، بل إسرائيل أيضاً.

·      يتهدد هذا الخطر بصورة خاصة العلاقات بين الجيش الإسرائيلي والشاباك وبين الأجهزة الفلسطينية، إذ تعتمد أجهزة الأمن الإسرائيلية على الفلسطينيين في مجالات عدة - من التعاون الاستخباراتي في محاربة الإرهابيين من حركة "حماس" والجهاد الإسلامي، إلى فرض النظام والقانون في المناطق المحيطة بالمدن الفلسطينية، ولا سيما في مناطق الاحتكاك مع قواعد الجيش الإسرائيلي والمستوطنات. ومن هنا، فإن احتمال فرض عقوبات ضد السلطة ضئيل، على الأقل ما دامت إسرائيل ترغب في الحؤول دون تجدد التصعيد على الأرض (وعلى افتراض أن هذا لا يزال مصلحة مشتركة بينها وبين السلطة).

·      إن الخطوات العقابية التي جرى الحديث عنها هامشية جداً وتشمل بصورة خاصة إلغاء التسهيلات المعطاة للفلسطينيين مثل تحسين شبكة الهاتف الخليوي، ووقف المخططات الأساسية التي جرت الموافقة عليها في مناطق ج الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، والتهديد بأن أي علاقة بين إسرائيل والسلطة من الآن فصاعداً ستكون عبر منسّق الأنشطة في المناطق بدلاً من القنوات السياسية. والخطوة الأخيرة رمزية في أساسها، لكنها تتزامن مع الكلام الذي قالته الوزيرة تسيبي ليفني للقناة الثانية يوم السبت بأن رئيس السلطة محمود عباس يجب أن يثبت من جديد أنه شريك، وهذا الكلام يذكّر بما قاله رئيس الحكومة السابق إيهود باراك عند عودته من قمة كامب ديفيد الفاشلة في صيف 2000، بأنه لا يوجد شريك فلسطيني.

·      في الجانب الفلسطيني، تتحدث التصريحات الرسمية الأخيرة- مثل تلك الصادرة عن صائب عريقات محاور ليفني، عن التحضير لخوض نضال شعبي ضد الاحتلال "بطرق سلمية" (من وجهة النظر الفلسطينية، فإن هذا يعني تظاهرات قد تترافق مع رشق حجارة وزجاجات حارقة).

في الوقت عينه، تتوجه السلطة مجدداً إلى "حماس" بعد فترة طويلة من الجمود في اتصالات المصالحة التي لم تنته بين الطرفين. لكن برغم اللهجة التهديدية، فإن القيادة الفلسطينية لا تبدو راغبة في تجدد الهجمات الإرهابية التي دفع ثمنها الفلسطينيون ثمناً غالياً في العقد الماضي. وعلى الأرجح، فإن الطرفين [الإسرائيلي والفلسطيني]، لن يعودا إلى الصفقة التي طرحت الأسبوع الماضي- أي تمديد المفاوضات وإطلاق مئات الأسرى الفلسطينيين والإفراج عن بولارد- في صيغتها الأصلية. إلا أنه لا يزال لدى الوسطاء الأميركيين أكثر من ثلاثة أسابيع من أجل حل الأزمة قبل انتهاء المدة المخصصة للمحادثات.