· إن قرار الفيتو الذي فرضه الرئيس أوباما على صدور قرار من مجلس الأمن يدين المستوطنات، يجب ألاّ يُعمي أبصارنا عن سياسته. فاستخدام الفيتو في الماضي ضد صدور قرارات عن مجلس الأمن معادية لإسرائيل، كان أمراً طبيعياً، أمّا بالنسبة إلى أوباما فقد كان لديه رغبة كبيرة في الامتناع من استخدام الفيتو، وذهب إلى حد أنه اقترح على الفلسطينيين تنازلات غير مسبوقة في مقابل إدخال تعديلات على نسخة القرار.
· لقد اقترح أوباما أن يرسل "بياناً رئاسياً" إلى مجلس الأمن يعرب فيه عن موقف مشابه لقرار مجلس الأمن الذي يدين الوجود اليهودي في الضفة الغربية وفي القدس، كما وعد بالموافقة على الاقتراح الروسي تشكيل لجنة تحقيق من جانب مجلس الأمن للبحث في موضوع المستوطنات، وعلى اقتراح توسيع تدخّل اللجنة الرباعية في موضوعات الشرق الأوسط. ووفقاً لمجلة "وول ستريت جورنال"، فإن الرئيس الأميركي اتصل هاتفياً في اللحظة الأخيرة بالرئيس الفلسطيني محمود عباس واقترح إمّا التصويت إلى جانب القرار، في حال وافق الفلسطينيون على تغيير عبارات مثل" غير قانونية" أو "غير شرعية" لدى الحديث عن المستوطنات، وإمّا الامتناع من التصويت.
· ويكشف رفض عباس اقتراحَ الرئيس أوباما أنه في أعقاب تسريب قناة "الجزيرة" وثائق المفاوضات التي كشفت عن موافقة الفلسطينيين تقديم تنازلات لم يكن ينوون تحقيقها وإلاّ لما أخفوها عن أبناء شعبهم، لم يعد الفلسطينيون قادرين على التفكير في أي تسوية ولو بسيطة من دون أن يُعتبر أنهم خانوا الناخبين.
· ويعتقد محمود عباس أن وقف المفاوضات سيفرض على أوباما الضغط على إسرائيل من دون مطالبة الفلسطينيين بشيء، وهو يعطي أهمية لـ "استخدام النضال القانوني" ضد إسرائيل بدلاً من الإرهاب. وعلينا أن نتوقع صدور عدد كبير من القرارات التي من شأنها أن تزيد في عزلة إسرائيل، وفي تحويلها إلى دولة مارقة، واتهامها بعدم احترام القانون الدولي، وملاحقة زعمائها كمجرمي حرب، ومحاكمتها دولياً.
· وعلى الرغم من سلوك الولايات المتحدة المؤسف تجاه حليفتها إسرائيل، الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، فإن لعلاقتنا مع الولايات المتحدة أهمية أكبر اليوم بالنسبة إلى مستقبلنا الأمني سواء على المستوى العسكري أو على المستوى الدبلوماسي. وفي هذا السياق، وعلى الرغم من الانتقادات القاسية الصادرة عن اليمين السياسي، فإن علينا أن نقدّر نجاح نتنياهو في الحفاظ على التوازنات، فهو من جهة، وقف ضد مطالب الإدارة الأميركية [الموافقة على تمديد تجميد البناء في المستوطنات]، ومن جهة أُخرى، لم يتسبب بأزمة كبيرة في العلاقات بين الدولتين.
· لو لم يكن أوباما بصدد التحضير للمعركة الانتخابية المقبلة، لكان ضغط على إسرائيل أكثر، وذلك من أجل إرضاء العالم الإسلامي، و طريقة تصرفه في فرض الفيتو تدل على أنه فعل ذلك كي لا يواجه انتقادات حادة من جانب الكونغرس، ولا حتى من جانب حزبه، لو كان أيد قراراً أحادياً ضد إسرائيل.
· لذا، فإن الفيتو الأخير يفرض علينا أن نستعد للأيام الصعبة التي ستفرض علينا اتخاذ قرارات إسرائيلية حاسمة، في ظل محاولات الإدارة الأميركية "موازنة" الفيتو من خلال ممارسة ضغوط جديدة على إسرائيل.