· أعلن وزير الدفاع المصري المشير عبد الفتاح السيسي أول من أمس استقالته من منصبه ونيته الترشح للانتخابات الرئاسية القريبة. وإعلان الترشح هذا لم يكن متسرعاً ، نظراً إلى أن السياسة المصرية تحب الخطوات المتزامنة التي يجري إنضاجها فترة طويلة، والتي يجري الإعداد لها جيداً. وبهذه الطريقة فقط يمكن تحقيق الاستقرار في أكبر وأهم دولة عربية.
· إن فوز السيسي في الانتخابات الرئاسية مضمون. كما أن سلوكه منذ عزل مرسي والإخوان المسلمين، يسمح برسم الخطوط التي ستطبع عمل هذه الشخصية التي ستؤثر أكثر من أي شخصية أخرى في الفضاء الجيو- سياسي الذي ستحتاج إسرائيل إلى المناورة داخله.
· ليس السيسي صديقاً لإسرائيل مثله مثل مبارك. وهو كذلك ليس صديقاً للولايات المتحدة، ومن الصعب أن تجد حليفاً "طبيعياً" له خارج القاهرة. هو شخصية وطنية من نوع الشخصيات التي عرفتها مصر منذ أواسط العقد الماضي. وهو منذ وصوله إلى السلطة تعاون مع إسرائيل عندما كان هذا التعاون يتطابق مع المصلحة الوطنية المصرية. لكنه سمح أيضاً بتوجيه الانتقادات العلنية إليها، كما سمح بنشر قضية التجسس الوهمية في توقيت ملائم كي يبعث إلى الشعب المصري رسالة بأنه ليس حليفاً لإسرائيل أو واشنطن.
· إن سقوط الإخوان المسلمين يجبر أن يفرح إسرائيل، ليس فقط بسبب تحالفهم مع "حماس"، بل وأيضاً بسبب ميل القوى الأصولية نحو وضع المصلحة القومية في خدمة الإرادة الإلهية. بيد أن السيسي ليس معادياً للدين، فحليفته الحالية هي المملكة السعودية غير المعروفة بانفتاحها ولا بمشاعرها المعادية للإسلام.
· إن الحكم بالإعدام على 529 شخصاً من الإخوان المسلمين بعد محاكمة صورية قصيرة ومثيرة للسخرية قد يلغى. إذ لا يريد السيسي الظهور بأنه ديكتاتور أسوأ من مبارك، كما ليس من مصلحته الاختلاف مع الغرب بشأن هذه المسألة. وبعد أن وصلت الرسالة التي أراد تمريرها، فإن إلغاء حكم المحكمة سيمنح الرئيس فرصة كي يظهر بأنه حنون ورحيم، ويستطيع بذلك أن يثير انطباعاً بأنه يفتح "صفحة جديدة" من دون أن يدفع ثمناً شعبياً.
· يرى كثيرون أن نسبة التأييد العالية للسيسي دليل على وجود تلاعب أو فساد، القضية أعقد من ذلك، ففي مصر يوجد فساد، لكن هذا وحده لا يفسر التأييد الشعبي الواسع الذي يحظى به الجنرال السابق. وفي الواقع، فإن السبب الحقيقي لهذا التأييد هو التعب من الثورة ومن الفوضى، ورغبة المواطن المصري بالاستقرار الاقتصادي. صحيح أن الشارع المصري أراد اسقاط المجموعة الفاسدة لمبارك والمقربين منه، لكنه عندما يجد صعوبة في تأمين القوت لأولاده، يصبح البقاء مصلحة عليا بالنسبة إليه.
· كما لا نستطيع الاستخفاف بالصدمة التي أحدثها حكم الإخوان المسلمين، فالملايين شاهدوا شريط الفيديو الذي يُظهر مئات الطلبة المصريين يطاردون ويتحرشون ويحاولون نزع ملابس صبية شقراء كانت ترتدي في جامعة القاهرة بنطلون جينز وسترة صوف. مثل هذه الظواهر لم يكن ممكناً أن يحدث في أيام مبارك، وهذا كان دليلاً على فقدان السيطرة وعلى الفوضى العارمة وأن في استطاعة مجموعات "الزعران" أن تفعل ما تشاء. ويمكن ان نضيف إلى ذلك الجمود الذي يعانية الاقتصاد المصري منذ إطاحة مبارك. ولا يمكن لهذا الجمود ان يتحرك إلا إذا جاء حاكم في مصر يوضح أنه سيعيد الأمن إلى الشارع والثقة الى مؤسسات الحكم.
· من خلال هذا المنظور المزدوج الذي يجمع بين المصالح والاستقرار، يجب أن تتصرف إسرائيل حيال الرئيس السيسي. ومن المنتظر أن تشهد العلاقات صعوداً وهبوطاً، وأن تكون هناك نجاحات وإخفاقات. لكن في جميع الحالات يجب أن نحاذر الشعور بالنشوة أو الشعور بالكارثة. كما يجب علينا ألا نحتضن الرئيس المصري كي لا يتحول هذا الاحتضان إلى عبء عليه وعلى حكومته في الشارع، كذلك يجب أن نحول دون تدهور العلاقات في أي لحظة أو التسبب بجمودها.
· ومن المهم أن نطلب من يهود الولايات المتحدة ومنظماتهم عدم احتضان الجنرال. فالحب الشديد والمبالغ به من جانب واشنطن ليس هدية ايجابية في نظر القاهرة. وعلينا أن نسأل أنفسنا في كل لحظة ما هي مصلحة النظام المصري وكيف يمكن أن تتلاقى مع مصالحنا. إن هذا التصرف الحكيم هو الذي سيضمن الاستقرار على الجبهة الجنوبية، وهو ما افتقرنا إليه في المدة الأخيرة، وهو ما يستطيع السيسي تأمينه.