إسرائيل تلتزم الصمت المطبق حول سياسة روسيا في الشرق الأوسط
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

المؤلف

·      يمكن القول إن تطور الأزمة الدولية الآخذة في الاحتدام حول مسألة أوكرانيا ومعاودة المفاوضات بين إيران ومجموعة الدول 5+1 [الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي+ ألمانيا] يجعلان سياسة إسرائيل الخارجية والأمنية تقف أمام امتحانات جديدة ومعضلات حقيقية.

·      وقد أعلن نائب وزير الخارجية الروسي هذه الأيام أنه في حال إقدام دول الـG7 على توسيع عقوباتها ضد روسيا، فستدرس هذه الأخيرة إمكان تغيير سياستها إزاء إيران في كل ما يتعلق بالشأن النووي. وفي يوم معاودة المحادثات بين الدول الست العظمى وإيران، أعلنت روسيا نيتها بناء مفاعلين نوويين آخرين في إيران، ولا يجوز تجاهل توقيت الإعلان حتى لو كان هذان المفاعلان مخصصين لغايات مدنية محضة.

·      من السهل أن نتوقع أنه لو أعلن نائب وزير الخارجية الأميركي أن بلده سيدرس إمكان التقارب مع سياسة روسيا إزاء إيران بهدف خفض الاحتكاك مع هذه الأخيرة حول مسألة أوكرانيا، لاحتل هذا الإعلان مكاناً مركزياً في عناوين وسائل الإعلام الإسرائيلية، ولكان الكثير من الشخصيات العامة وكُتاب الأعمدة الصحافية تنافسوا في ما بينهم في التنديد بمجرد فكرة أن تُدرج الولايات المتحدة المسألة النووية الإيرانية ضمن صفقة المساومة بين القوى العظمى، ولكان كبار الوزراء والمحللين أخرجوا من خزانة تصريحاتهم أشد المقالات الدعائية النقدية ضد الرئيس الأميركي باراك أوباما شخصياً وضد نهجه السياسي الفاشل، ولكانوا سيقولون لنا مرة أخرى إن إسرائيل في نهاية المطاف تقف بمفردها في المعركة.

·      يجب ألا نتجاهل أيضاً أن هناك سياقاً روسياً - سورياً للقضية الأوكرانية، فالرئيس فلاديمير بوتين والناطقون باسمه يؤكدون أن إعادة شبه جزيرة القرم إلى سيادة روسيا تهدف أيضاً إلى حماية السكان الروس في هذه المنطقة الاستراتيجية، حيث إن روسيا ترى نفسها مسؤولة عن مصير الجالية الروسية في وسط أوروبا وشرقها. وإذا ما اتسعت واستمرت الحرب الأهلية في سورية ولا سيما إذا ما حدث تحوّل متطرف في غير مصلحة الرئيس بشار الأسد وطائفته العلوية، فلن تثور مسألة مصير الاستثمار الروسي الكبير في المعركة الأمنية للنظام الحالي فحسب، بل وأيضاً قضية المواطنين الروس من سكان سورية الذين يُقدر عددهم بعشرات الآلاف.

·      بناء على ذلك، فإن السؤال المطروح هو: كيف ستحمي روسيا هؤلاء السكان؟
ما زال هناك سلاح روسي كثير وذو نوعية عالية يتدفق إلى سورية، ويُنقل بعضه إلى حزب الله كما تؤكد مصادر أجنبية وغير أجنبية. والجمهور في إسرائيل غير مطلع على مضمون الحوار بين القدس وموسكو، وعلى جوهر التفاهمات التي تم التوصل إليها في إطار هذا الحوار على أعلى المستويات في حال وجود تفاهمات كهذه. إنما الشيء الذي يجدر ذكره هو أن إسرائيل تلتزم الصمت المطلق إزاء هذه القضية، كما أن كبار المحللين ومن هم أدنى منهم في وسائل الإعلام الإسرائيلية، يحافظون على انضباط غير مسبوق.

·      إن أسباب التناقض بين الطريقة التي تحرص إسرائيل من خلالها دائماً على كرامة روسيا (والصين أيضاً)، وفي المقابل الدوافع في القدس إلى شن هجوم على رئيس الولايات المتحدة ووزير خارجيتها واتهامهما بأنهما مفاوضان غير شجاعين وضعيفين، قد تتضح في يوم من الأيام.
لكن إلى أن يحدث ذلك لا بُد من ملاحظة أن إسرائيل في الوقت الحالي لا تفرض أي قيود على حملة النقد الجارحة الموجهة ضد واشنطن وسياستها في الشرق الأوسط، وأنه في حين توصف روسيا بأنها حازمة وشجاعة وقادرة على انتهاج سياسة حكيمة ومنتصرة، تُعرض الولايات المتحدة على أنها مترددة وجبانة وعاجزة ومهزومة أيضاً بسبب ذلك كله.

·      لا شك في أن مجرّد ذلك يؤدي إلى أن يفرك الإيرانيون أيديهم فرحاً لرؤية حليفة الولايات المتحدة تعلن يومياً بصيحات يأس هستيرية أن واشنطن تتدهور من سيئ إلى أسوأ. وما يمكن تقديره أن هذا الوضع مريح ومرغوب به جداً بالنسبة إلى بوتين الذي يحظى في الشرق الأوسط بعالمين: الأول، عالم  حليفه الأمين [سورية]؛ الثاني، عالم الذي يخشى أي مس معلن بكرامته ومكانته [إسرائيل].

·      والأمر الأكيد أن رئيس الولايات المتحدة يغبط خصمه الروسي على الاحترام الذي يحظى به من جانب إسرائيل في مقابل الوجبة اليومية من الاستخفاف والإنكار التي تُقدم إلى "حليفتنا" صباح مساء.

·      ونظراً إلى أن الجمهور الإسرائيلي العريض لا يعلم سبب الصمت المطبق في إسرائيل إزاء سياسة روسيا في المنطقة في مقابل الانقضاض المتواتر على سياسة الولايات المتحدة، فليس لنا سوى أن نأمل أن يعلم من هم هناك في الأعلى أشياء لا نعلمها نحن.