مواقف بنيامين نتنياهو من النظام في سورية
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

 

·       كشفت زيارة الرئيس باراك أوباما للقدس الأسبوع الماضي الخلافات في الرأي بينه وبين بنيامين نتنياهو حيال سورية. ففي المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده الرئيسان هاجم الرئيس الأميركي بشدة بشار الأسد وقال إن على "نظامه أن يرحل." أمّا رئيس حكومة إسرائيل فاكتفى بالحديث عن المجزرة التي تجري في الدولة المجاورة، من دون أن يسمّي المسؤولين عنها، ومن دون أن يقول كلمة واحدة عن تغيير سياسي في دمشق.

·       خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة كان نتنياهو الحليف الصامت للأسد. ففي الوقت الذي كان الحكم في سورية ينهار، وأصبحت حدودها مخترقة، وأدى الصراع على مستقبل سورية إلى انقسام المنطقة، حمت إسرائيل ظهر الطاغية في دمشق، فامتنعت قواتها عن القيام بتحركات رادعة، وعن التأييد العلني للمعارضة السورية، وعن استغلال الفظائع في سورية لأغراض دعائية. واكتفى نتنياهو بكلام عام عن "تصدّع سورية"، وبإطلاق التحذيرات من انتقال السلاح الكيميائي والصواريخ إلى أيدي الإرهابيين.

·       إن التحالف بين الدول لا يتطلب لقاء بين زعمائها، ولا تبادل للسفراء أو تصريحات التأييد والمودة، وإنما يكفي وجود مصالح مشتركة يدركها الطرفان ويتصرفان وفقاً لها. ولدى نتنياهو أكثر من دافع يدفعه إلى التقرب من الأسد: الأول، إبعاد سورية عن إيران، على أمل أن تقف جانباً وألاّ تتدخل في حال هاجمت إسرائيل المنشآت النووية في نتانز وفوردو؛ الثاني، خسارة التحالف مع تركيا ولاحقاً مع مصر، وقد دفع تخوّف إسرائيل من تدهور الوضع الأمني في الجنوب إلى السعي للمحافظة على الهدوء في الشمال؛ الثالث، إضعاف حزب الله؛ الرابع، التخوف من أن يكون الثوار السوريون هم في الحقيقة من عناصر القاعدة، وأن يؤدي سقوط النظام إلى تحوّل سورية إلى دولة جهادية معادية.

·       لقد كانت الخطوة الأولى لنتنياهو هي المفاوضات غير المباشرة مع الأسد، عبر وساطة الدبلوماسيين الأميركيين دنيس روس وفريد هوف في نهاية سنة 2010. وكانت الصفقة المقترحة هي انسحاب إسرائيل من الجولان في مقابل السلام الشامل، وابتعاد سورية عن إيران. وقام بهذه المفاوضات عن الجانب الإسرائيلي المحامي إسحاق مولخو، والعميد (في الاحتياط) مايك هيرتسوغ، والمستشار السياسي عوزي أراد. وأشرك نتنياهو في هذه المفاوضات وزير الدفاع إيهود باراك، لكنه أبعد عنها رئيس الاستخبارات العسكرية.

·       في مطلع سنة 2011 جاء روس وهوف إلى إسرائيل بعد أن أجريا محادثات مع مسؤول رفيع المستوى في النظام السوري، وقالا، وفقاً لمصدر أميركي، إن الأسد مستعد للموافقة على الصفقة، وحاولا إقناع نتنياهو بالموافقة عليها. يقول المصدر الأميركي: "لقد بدا الأمر قريباً للغاية"، واستناداً إلى كلامه فإن الطرفين لم يصلا في مفاوضاتهما إلى الحديث بالتفصيل عن مراحل الانسحاب، وخط الحدود، والترتيبات الأمنية. بعد مرور وقت قصير نشبت الثورة ضد الأسد في سورية، ووُضعت هذه المفاوضات على الرف، حتى قامت صحيفة "يديعوت أحرونوت" بتسريب الخبر قبيل الانتخابات.

·       لكن منذ ذلك الحين تغيّر عدد من الأشياء: فقد عاد الأسد مجدداً إلى أحضان إيران التي تقدم له السلاح والمال والدعم السياسي. وغيّر هوف [مستشار الرئيس أوباما] مواقفه، فهو يدعو اليوم إلى زيادة التدخل الأميركي من أجل إسقاط الأسد. من ناحية أُخرى، اقتربت إسرائيل أكثر فأكثر من حليفيها القديمين، الأردن وتركيا، اللذين يقومان بتسليح معارضي الأسد، ويتدخلان في السياسة الداخلية السورية، ويدعم كل واحد منهما فريقاً من فرقاء المعارضة. أمّا إسرائيل ففتحت "جداراً طيباً"، وبدأت بمعالجة الجرحى السوريين، ويتحدث قائد المنطقة الشمالية، يائير غولان، عن إنشاء"حزام أمني" في الجولان، تسيطر عليه ميليشيا سورية موالية لإسرائيل شبيهة بما كان يُعرف سابقاً بجيش لبنان الجنوبي [الذي كان يسيطر على الحزام الأمني الذي أقامته إسرائيل في الجنوب اللبناني حتى الانسحاب الأحادي الجانب الذي قام به الجيش الإسرائيلي من هناك في سنة 2000].

 

·       لكن نتنياهو لا يزال حذراً ويمتنع عن استفزاز الأسد، لأن ذلك قد يجر إسرائيل إلى الصراع السوري. وليس واضحاً ما إذا كان أوباما قد طلب منه تشديد موقفه من سورية، لكن من المهم أن يكون نتنياهو يخطط للوقت الذي ستضطره فيه الظروف إلى تغيير موقفه، ويمكن القول إن الاعتذار من تركيا هو الخطوة الأولى في هذا الاتجاه.