الاعتذار الإسرائيلي من تركيا خطوة مهمة وضرورية لترميم العلاقات بين البلدين
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال

 

·       يعتبر الاعتذار الإسرائيلي من تركيا على الأخطاء العسكرية التي ارتكبت خلال عملية السيطرة على سفينة مافي مرمرة في أيار/ مايو 2010، وموافقة الطرفين على البدء في عملية تطبيع العلاقات بينهما، تطوراً مهماً انتظره منذ وقت طويل العديد من الإسرائيليين والأتراك  والأميركيين.

·       ومما لا شك فيه أنه من بين العوامل البعيدة المدى التي أدت إلى هذا الاعتذار الإسرائيلي هو اليقظة العربية التي أدت إلى تقارب المواقف بين تركيا وإسرائيل. كما أن مواجهة الدولتين اليوم لخطر تصدع سورية والانعكاسات المترتبة عن ذلك على أمنهما، هو الذي رجح كفة التقارب لديهما. ومن المهم أن نشير إلى أنه منذ وقت طويل كان هناك استعداد لدى الجانب الإسرائيلي للتوصل إلى اتفاق مع تركيا، لكن هذا الاستعداد، لأسباب مختلفة، لم يصل إلى حد التوصل إلى تسوية. وفي الواقع فإن الاتفاقات التي جرى التوصل إليها الآن لا تختلف بصورة جذرية عن التوصيات التي قُدمت عشية نشر تقرير بالمر في أيلول/ سبتمبر 2011. ولا يكمن التطور الإيجابي الذي حدث اليوم فقط في الاعتذار الذي قدمته إسرائيل، وإنما أيضاً في  قبول تركيا هذا الاعتذار.

·       لدى تحليل العوامل القصيرة المدى للتطورات الأخيرة لا بد من الإشارة إلى الأهمية الكبيرة التي علقها الأميركيون على تحقيق المصالحة بين الطرفين خلال زيارة الرئيس أوباما إلى إسرائيل. وفي الواقع فإن مجيء هذه الخطوة الصعبة المتمثلة في اعتذار رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بوصفها استجابة لطلب رئاسي أميركي ساهم في قبول الجمهور الإسرائيلي لها، ويمكن أن نضيف إلى ذلك المرونة التي أبداها الأتراك من أجل إنهاء الأزمة.

·       ومن المنتظر أن تواجه عملية المصالحة بين إسرائيل وتركيا عدداً من التحديات، خاصة الزيارة التي من المنتظر أن يقوم بها رئيس الحكومة التركي، رجب طيب أردوغان، إلى غزة في نيسان/ أبريل المقبل. ومن المحتمل أن هذه الزيارة كانت ستتم بغض النظر عن الاعتذار الإسرائيلي، لكن يجب على الجانب الإسرائيلي الاستعداد لها والتنسيق مع الجانب التركي بشأنها بقدر المستطاع. أما فيما يتعلق بالمشكلة النووية الإيرانية،  فثمة اختلاف لا بأس به بين نظرة إسرائيل إلى هذا الخطر وبين الموقف التركي من المسألة. إذ على الرغم من أن تركيا لا ترغب في حصول إيران على القدرة النووية العسكرية، إلاّ أنها تؤيد المفاوضات وتعلن معارضتها لأي هجوم أميركي أو إسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية. لكن رغم هذه التحديات، ففي حال تحققت عملية تطبيع العلاقات التي جرى الاتفاق بشأنها في المكالمة الهاتفية بين نتنياهو وأردوغان، فإنه ستكون لذلك انعكاسات إيجابية على عدد من الأصعدة.

·       على الصعيد الأمني، حتى لو ظل التعاون بين الجيشين الإسرائيلي والتركي في حده الأدنى وبعيداً من الأضواء، فإنه يبقى شديد الأهمية، لأنه يبقي قنوات الاتصال مفتوحة بين الجانبين لا سيما في ظل التحديات التي تواجهها الدولتان في الوقت الراهن.

·       على صعيد العلاقات الاقتصادية، التي ظلت حتى في ذروة الأزمة بين الدولتين تحول دون حدوث تدهور كامل، فمن المنتظر أن تشهد مزيداً من التطور وذلك لعدة أسباب منها: أولاً نشوء  أجواء إيجابية أكثر تشجع الشركات الاقتصادية على المتاجرة فيما بينها مما سيؤدي إلى ارتفاع حجم التبادل التجاري بين البلدين؛ ثانياً ثمة احتمال للتعاون مع تركيا في استخدام مخزون الغاز الطبيعي المكتشف أمام شواطىء إسرائيل، والذي باستطاعة تركيا الاستفادة منه على صعيد الاستهلاك وعلى صعيد التصدير؛ ثالثاً عودة النشاط السياحي بين البلدين.

 

·       في الخلاصة، قد نكون ما زلنا بعيدين جداً عن ازدهار العلاقات مجدداً بين إسرائيل وتركيا، ومن الصعب أن نتوقع عودة العلاقات إلى ما كانت عليه في التسعينيات، لكن على الرغم من ذلك، فإن الاعتذار الإسرائيلي كان خطوة ضرورية ومهمة لترميم العلاقات بين البلدين.