الأجهزة الأمنية في إسرائيل بدأت تفكر في مرحلة ما بعد الأسد
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

المؤلف

·       لقد كان يوم الأربعاء الماضي من الأيام التي جعلتنا نتذكر في أي عالم نعيش. ففي صباح ذلك اليوم طرحت كتلة "إسرائيل بيتنا" قانون فرض الخدمة العسكرية الإلزامية على الجميع، الذي رفضه الكنيست بأغلبية كبيرة. لكن في المساء، ومع وصول الأنباء عن هجوم بورغاس، تحول النقاش بشأن "قانون طال" إلى موضوع ثانوي، كذلك الأمر بالنسبة إلى الهجوم الذي شهدته دمشق، والذي قد يغير صورة دولة مجاورة لنا. ويشير هذا التبدل الجذري الذي طرأ على جدول الأعمال الإسرائيلي إلى التغييرات التي تحدث في محيطنا، وإلى الصعوبات التي نواجهها للتأقلم مع وتيرة هذه التغييرات على المستويات السياسية والأمنية والإعلامية والعامة.

·       عندما بدأ نظام الأسد يتزعزع ضمن الموجة الكبيرة التي جرفت العالم العربي، كان من الصعب على عدد من كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين في إسرائيل إخفاء قلقهم. فعلى الرغم من كل ما قيل عن الأسد خلال الأعوام الاثني عشر التي أمضاها في الحكم من أنه لا خبرة لديه وأنه واقع تحت تأثير سحر نصر الله وأنه أسير إيران، فقد كان يُعتبر دائماً أفضل ممن قد يأتي بعده.

·       طوال 30 عاماً سيطر الهدوء على الحدود السورية، وصمد الردع الإسرائيلي في مواجهة الأسد بصورة كبيرة في سنتي 2006 و2007. ولقد كانت إسرائيل تفضل على الدوام طاغية عربياً ضعيفاً مثل بشار على الغموض وعدم اليقين.

·       والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو: ماذا سيحدث في حال رحل الأسد؟ من الصعب إيجاد جواب على ذلك، فهناك أطراف كثيرة تتدخل فيما يجري. فعلى سبيل المثال، فرنسا هي التي أنقذت مناف طلاس، ابن وزير الدفاع السابق (المقيم بباريس)، وأحد أكثر المقربين من الأسد، وهناك أيضاً روسيا وإيران والسعودية، إذ تملك كل واحدة من هذه الدول قوة كبيرة ولديها مصلحة واضحة فيما يجري في دمشق.

·       يختلف الوضع في سورية عنه في مصر، حيث بقي الجيش متماسكاً وموحداً، وهو الذي سمح إلى حد بعيد بإجراء الانتخابات وتخلى عن جزء من صلاحياته، أمّا في سورية فمن المنتظر أن تكون قمة القيادة العسكرية العليا موضع نزاع وتنافس بين عدد من مراكز القوة.

·       لقد أكدت إسرائيل هذا الأسبوع مخاوفها إزاء مصير ترسانة السلاح الكيماوي الضخمة التي تملكها سورية، والتي ستشكل جزءاً من العالم الجديد الذي ستجد إسرائيل نفسها في مواجهته. أمّا الجزء الآخر من هذا العالم فقد برز من خلال الهجوم على بورغاس، والذي تعاملت معه إسرائيل بصفته جزءاً لا يتجزأ من الحرب الدائرة بيننا وبين إيران.

·       إن الأجهزة الأمنية في دولة إسرائيل، وبصورة خاصة الجيش، تجد بحكم طبيعتها صعوبة في مواجهة الفوضى، فهي تفضل مواجهة عدو منظم يتمتع بمنطق سياسي أو بهوية سياسية، ويشبه قدر المستطاع العدو الذي تعلمنا كيفية مواجهته.

·       من هنا فإن السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه الآن هو ليس تفسير ما يحدث، وإنما كيفية مواجهته. فمنذ اليوم، وبالتأكيد ما بعد سقوط الأسد، لم يعد احتمال نشوب مواجهة تقليدية بين وحدات عسكرية نظامية إسرائيلية وسورية مطروحاً حتى على الصعيد النظري، وهو لم يعد، منذ زمن طويل، مطروحاً على الصعيد العملي. ومن المنتظر أن تتحول حدود سورية، مثلما تحولت الحدود مع مصر، إلى مركز للتسلل والإرهاب، لا إلى مركز لهجوم بري. كما أن احتلالنا البري لأراضي الطرف الآخر لم يعد يملك تأثيراً حاسماً في المعركة.

·       نحن نملك وسائل كثيرة متطورة في مواجهة الإرهاب الدولي، سواء ذاك الذي تعرضنا له في بورغاس، أو الذي استطعنا كبحه في حالات أخرى خلال العام الماضي في أذربيجان وتايلند وكينيا وقبرص، إلاّ إن هذه الوسائل تختلف بصورة جوهرية عن تلك التي استخدمناها طوال عشرات الأعوام في المواجهات الحدودية. لقد بات استخدام القوة في هذا العالم الجديد يختلف بصورة جذرية عما كان عليه في السابق.

·       في الأسابيع الماضية قيل الكثير عن مشكلة الخدمة الإلزامية في الجيش الإسرائيلي، ولم يُقل شيء عن مسألة لا تقل أهمية عنها وهي: ما هو الجيش الذي نحن بحاجة إليه؟ والأكيد أن الإجابة عن هذا السؤال بعد سقوط الأسد، لن تشبه الإجابة التي كانت موجودة عندما كانت سورية دولة موحدة خاضعة لحكم ديكتاتوري ولديها جيش موحد.