· إن التزامن بين الهجوم الذي تعرضت له القيادة السورية في دمشق وبين الهجوم على السياح الإسرائيليين في بورغاس، قد يدفع إسرائيل إلى اتخاذ قرار صعب وسريع بشأن ما إذا كان يتعين عليها المبادرة إلى مهاجمة لبنان. وهذا بالتحديد ما ستبحث بشأنه هذا الصباح القيادة الأمنية التي ستجتمع في تل أبيب مع رئيس أركان الجيش ومع وزير الدفاع، وسيكون الموضوع المطروح للنقاش هو التخوف الكبير والمباشر من انهيار سريع للنظام في دمشق، ومن انتقال السلاح المتطور من هناك إلى لبنان.
· تعتقد إسرائيل أن مقتل المسؤولين الكبار في الجهاز الأمني السوري، وخصوصاً آصف شوكت، صهر الرئيس السوري والمسؤول عن قمع الثورة، قد زعزع أسس النظام، إذ إن الأسد لم يفقد عدداً من المقربين منه فحسب، بل بات عاجزاً، من الآن وصاعداً، عن الوثوق بأحد، فمن المحتمل أن يتحول كل حارس شخصي إلى قاتل، وكل صديق إلى منشق. وسيحاول الأسد بمساعدة علي المملوك، الذي كان حتى يوم أمس رئيساً لجهاز الأمن العام قبل أن يُعين مسؤولاً عن المهمات الخاصة، العمل على تغيير الوضع، مع إبقاء الطائرة التي سيستخدمها للفرار مع عائلته إلى روسيا، التي أمنت له اللجوء، تحت نظره.
· متى سيحدث ذلك؟ لا خلاف على أن الأسد سيرحل في النهاية، لكن النقاش بين الخبراء هو بشأن المسألة التالية: هل ما زلنا في بداية النهاية أم في وسطها؟ لا تنوي إسرائيل التدخل إلاّ في حال حدوث أحد أمرين: إطلاق النار ضدنا (واحتمالات حدوث ذلك ضئيلة)، أو انتقال سلاح استراتيجي إلى لبنان، مع التشديد على أربع منظومات أساسية هي: الأسلحة الكيماوية والبيولوجية؛ منظومة الصواريخ المتطورة المضادة للطائرات SA17-SA22))؛ الصواريخ بعيدة المدى (سكود دي)؛ وصواريخ بحر - بر المتطورة.
· ما زال الأسد حتى يوم أمس يسيطر على هذه المنظومات الأربع، بمساعدة فعالة من عناصر من حزب الله ومن الحرس الثوري الإيراني. لكن عندما سينهار النظام سيكون عليه أن يقرر ما إذا كان سيخاطر بإبقاء هذا السلاح في سورية، مع علمه بأنه سيقع في يد الحكم الجديد، أم أن عليه اتخاذ قرار بنقل هذا السلاح إلى لبنان والمخاطرة بتعريضه لهجوم إسرائيلي.
· لقد أوضحت القيادة الأمنية الإسرائيلية بصورة قاطعة أن انتقال الأسلحة الكيماوية إلى حزب الله سيشكل ذريعة للحرب، ويجري التشديد اليوم على اليقظة الاستخباراتية التي ستسمح بمعرفة حدوث ذلك.
· وفي هذه الأجواء المتوترة وقع بالأمس الهجوم في بلغاريا، ولم تكن هناك تحذيرات مسبقة بشأنه، لكن لا يوجد أدنى شك في أن حزب الله هو وراء الهجوم (ولقد حدد رئيس الحكومة هذه المسؤولية بدقة حين وضعها على إيران المدافعة عن الحزب). فمنذ أكثر من أربعة أعوام وأربعة أشهر يحاول حزب الله الانتقام لاغتيال قائده العسكري، عماد مغنية، لكنه حتى الآن لم ينجح في ذلك بفضل الجهد الاستخباراتي الكبير الذي قام به الموساد بالتعاون مع سائر أجهزة الاستخبارات في العالم. ويدل حصاد الأسابيع الأخيرة على مدى رغبة حزب الله في أن يقوم بتحرك وبأي ثمن. ففي مطلع هذا الشهر ألقي القبض على أحد عناصره يعد هجوماً في كينيا، وقبل أسبوع ألقي القبض على آخر في قبرص. وقد كانت بلغاريا موضع تحذير في مطلع هذا العام، فضلاً عن أهداف أوروبية أخرى. وإذا افترضنا أن حزب الله أعد "ملفات هجمات" ضد عشرات الأهداف الإسرائيلية واليهودية في العالم، وأن إسرائيل غير قادرة على الدفاع عن كل مواطن إسرائيلي في الخارج، لأدركنا صعوبة الحؤول دون وقوع هجوم الأمس.
· سيعمد الخبراء العسكريون الذي ذهبوا بالأمس إلى بورغاس للمشاركة مع السلطات البلغارية في التحقيق في الهجوم، إلى فحص بقايا العبوة التي انفجرت لمعرفة ما إذا كانت مشابهة لتلك التي عثر عليها في تايلند، الأمر الذي من شأنه أن يعزز وجود صلة إيرانية ولبنانية بالهجوم. وحتى لو تم العثور على الدليل القاطع على تورط الجهتين (من دون الإشارة إلى أن هجوم الأمس وقع تماماً في ذكرى مرور 18 عاماً على الهجوم على مبنى الجالية اليهودية في بونيس أيريس)، فإن إسرائيل ستجد صعوبة في الرد عليه.
· على الرغم من مشاعر الغضب والحزن والتخوف من هجمات جديدة، فإن علينا ألاّ ننسى ما هو أهم. فالأهم فيما يتعلق بالموضوع الإيراني هو المسألة النووية، والأهم فيما يتعلق بالموضوع اللبناني ليس ما سيجري بعد وقوع هجوم على إسرائيليين، وإنما ما سيحدث بعد انتقال الأسلحة الاستراتيجية إلى لبنان، والتي تشكل خطراً علينا جميعاً.