· من الصعب التقليل من المخاطر التي ينطوي عليها المسار الذي بدأ في تونس، وانتقل إلى مصر، وأخذ يتسلل إلى دول أخرى. ومن الصعب الآن معرفة ماذا يخبىء الغد، ومتى ستتم عملية استبدال الرئيس مبارك، وإلى أي مدى ستزداد قوة الجهات الأصولية الإسلامية بعد هذه الأحداث، وأي دولة عربية سيحين دورها؟ ولكننا نستطيع اليوم أن نلاحظ أن عمليات الاحتجاج تجري تحديداً في الدول العربية المسلمة والبراغماتية (مثل تونس ومصر)، وليس في دول المحور الراديكالي (مثل إيران وسورية). وهنا يُطرح السؤال: لماذا حدث هذا في مصر وتونس وليس في إيران وسورية؟ هل لأن الوضع الاقتصادي للشعبين الإيراني والسوري أفضل؟ أو لأن النظام في هذين البلدين أكثر ديمقراطية؟ الجواب طبعاً: لا. وإنما لأن نظامي مبارك وبن علي أكثر ديمقراطية من أنظمة المحور الراديكالي. فالإعلام وشبكات الأنترنت تتمتع بحرية أكثر في هذه الدول، كما أن الحكام يمتنعون من ارتكاب مجازر في حق شعوبهم.
· إن الثورة التي تشهدها تونس ومصر هي تعبير صادق عما يشعر به الناس، وهي نتيجة الوضع الاقتصادي الصعب، والإحباط، وانعدام الأمل لدى المواطنين في هاتين الدولتين، كما أنها نتيجة ابتعاد الحكام عن أبناء شعبهم. وفي هاتين الدولتين تقف التنظيمات الإسلامية جانباً وتنتظر أن يحرق الأميركيون أصابعهم، وأن تتم الإطاحة بالنظام البراغماتي، وأن تجري الانتخابات الحرة، ومن المتوقع أن تحصل القوى الإسلامية على الحصة الأكبر من التمثيل السياسي في هاتين الدولتين.
· وماذا عن إدارة أوباما؟ إنها تقوم بدورها في هذا السيناريو، وكما يقول المثل: الطريق إلى جهنم مزروع بالنوايا الحسنة. وما يحدث اليوم شبيه بما حدث قبل 30 عاماً [في حالة الثورة الإسلامية في إيران]، إذ يعتقد الأميركيون أنهم في الأحداث الأخيرة يقومون بالدفاع عن قيم الديمقراطية، ولهذا يتخلون عن حلفائهم في الدول الإسلامية. وبحسب وجهة نظر الإدارة الأميركية فالعالم ينقسم إلى نوعين: عالم ديمقراطي في مواجهة عالم غير ديمقراطي. ولا تختلف إدارة أوباما عن إدارة بوش، فالاثنتان تعكسان سذاجة الشعب الأميركي الذي يعتبر الديمقراطية والانتخابات هل الحل الأمثل لكل شرور العالم وخاصة لمشكلة الأصولية الإسلامية.
· هذا الهوس بالديمقراطية عبرت عنه وزيرة الخارجية السابقة كونداليزا رايس عندما قالت أنها لا تخاف من سيطرة عناصر إسلامية على الحكم في دولها بطريقة ديمقراطية، لأن "الآلية الديمقراطية القوية ستسمح للشعب بالتخلي عن هذه القوى في الجولة الانتخابية المقبلة".
· في نظر الأميركيين آية الله الخميني الذي اختير في انتخابات ديمقراطية هو أكثر شرعية من الرئيس مبارك الذي يمنع الأطراف الأصولية المتشددة من السيطرة على الحكم في مصر. ولا يشغل الأميركيون أنفسهم بمسائل تافهة مثل أن السبب الذي أدى إلى تدني شعبية الرئيس مبارك وسط المصريين هو اعتباره حليفاً للولايات المتحدة. ويمكننا أن نضيف إلى ذلك أن زعماء الجهاد العالمي، وفي مقدمهم بن لادن، يحظون منذ هجمات 2001 بتأييد الجماهير في الدول الإسلامية، مما يزيد من الجفوة بين هذه الشعوب وبين أنظمتها المتحالفة مع الولايات المتحدة.
· تنظر الولايات المتحدة إلى هذا التنكر [لنظام مبارك] بأنه تعبير عن خسارة النظام لشرعيته، وتطلب من قيادة هذا النظام القيام باصلاحات سياسية، مما يسهل على الإسلاميين ترجمة شعبيتهم إلى مكاسب سياسية. ويرفض الأميركيون الاعترف بأن الانتخابات الديمقراطية لا تعبر بالضرورة عن التقدم والليبرالية. إن الديمقراطية لا تختبر فقط من خلال آلياتها ومؤسساتها، وإنما بالأساس من خلال قيمها التي تكتسب مع مرور الوقت. لقد راهن الرئيس أوباما في وقت مبكر على فوز المعارضة في مصر، وهو بذلك ساهم في نجاحها. وسوف تكشف لنا الأيام أن هذا كان انتصاراً "بيروسياً" [انتصاراً بمثابة هزيمة] للديمقراطية في مصر وفي العالم العربي كله.