· تكشف التصريحات الأخيرة للإدارة الأميركية بشأن التظاهرات التي بدأت في تونس وانتقلت إلى دول عربية أخرى تحولاً حاداً في سياسة الولايات المتحدة التي كانت قائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية. وها هي إدارة أوباما تعلن دعمها لقوى المعارضة في الدول العربية، مثلما كان عليه الحال أيام إدارة بوش التي قامت علناً بالتشجيع على إجراء إصلاحات سياسية في العالم العربي.
· وكي نفهم أهمية التصريحات الأميركية، علينا العودة إلى خطاب الرئيس الأميركي الذي ألقاه في القاهرة في حزيران/ يونيو سنة 2009، والذي لم يكن من قبيل الصدفة عنوانه "بداية جديدة". فقد أوضح أوباما بصورة غير مباشرة أنه تخلى عن سياسة بوش الداعية إلى دمقرطة العالم العربي، وقال "إن أميركا لن تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى".
· لقد فاجأتنا الإدارة الأميركية في 14 كانون الثاني/ يناير، عندما قال الرئيس أوباما "إنني أدين استخدام العنف ضد المدنيين الذين يعبرون عن موقفهم بطريقة سلمية، وأثني على شجاعة سكان تونس". ولا يمكن لحركات المعارضة في العالم العربي أن تخطىء في تفسير كلام الرئيس. فأميركا لم تعد تقف إلى جانب أصدقائها من حكام الدول العربية، وإنما هي تدعم من الآن وعلناً التظاهرات الداعية إلى الإصلاح، بغض النظر عن القوى السياسية التي تقف وراءه.
· لم يكن الموقف الأميركي الجديد من أحداث تونس موقفاً عابراً، فقد جاءت أحداث مصر لتحمل معها موقفاً أخطر من الأول. فقد جاء في بيان الإدارة الأميركية: "أن أميركا تدعم الحقوق الأساسية للناس في التعبير عن رأيهم، وتدعو السلطات المصرية إلى التعامل مع المتظاهرين بطريقة سلمية". ويستشهد البيان بكلام هيلاري كلينتون الذي يُفهم منه أن أميركا ترغب في رؤية تطبيق الاصلاحات في مصر وفي كل مكان من أجل "إيجاد فرص سياسية، واقتصادية، واجتماعية أكبر".
· وهكذا يبدو اليوم، أن الدعم الأميركي قد انتقل من جانب الزعماء العرب إلى جانب المتظاهرين، مما يشجع قوى المعارضة على الخروج إلى الشارع والإطاحة بالنظام. وبالطبع لا يمكن لأحد أن يعتقد أن المطالبة بالديمقراطية يمكن أن تقتصر على القاهرة وتونس. فماذ سيرد أوباما على 85% من سكان البحرين من الشيعة الذين تظاهروا قبل بضعة أشهر؟ وماذا سيقول الرئيس للسكان الشيعة في غربي السعودية الذين حاولوا عام 1981 القيام بانقلاب؟ وماذا سيقول للشيعة من سكان الكويت وقطر؟ والقائمة طويلة وهي تتناول كل الدول التي تعتبر من الدول الصديقة لأميركا وللغرب.
· من الطبيعي ألا تشجع الولايات المتحدة الأنظمة الديكتاتورية. ولكن الدولة العاقلة والمتوازنة هي التي تعتبر التظاهرات شأناً داخلياً، ولا تسعى إلى تحديد مصير الشعوب.
· إن القدس وحدها هي التي قرأت بصورة صحيحة الخريطة، وأدركت أن أي تدخل علني بما يحدث لدى الدول العربية المجاورة لها سيؤدي إلى الإضرار بالمصلحة الإسرائيلية وبالاستقرار في المنطقة. وكان من الأفضل لو تبنت واشنطن أيضاً مثل هذا الموقف.