دلالات وانعكاسات الاستيلاء على سفينة السلاح Klos C
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال

·      شكل الاستيلاء على سفينة Klos C ضربة لإيران التي لا شك في أنها وظفت جهوداً وأموالاً كبيرة في تنظيم شحنة السلاح ومحاولة إخفاء محتوياتها ومسارها. وليست هذه المرة الأولى التي تنجح فيها إسرائيل في ضبط شحنات مماثلة، وقد أثبتت مرة أخرى القدرة على التسلل الاستخباراتي إلى داخل الجهاز الإيراني، وقدرة عملانية تسمح لها بالمفاجأة والتحرك على بعد مئات الكيلومترات عن أراضيها. وهذا النجاح الإسرائيلي يجب أن يدفع الإيرانيين إلى إعادة التفكير في ما إذا كانوا سيواصلون تهريب السلاح والمجازفة بإخفاقات محتملة جديدة، وفي كيفية الحؤول دون حدوث هذه الاخفاقات من جديد. 

·      وعلى الرغم من ذلك، فمن المحتمل أن تحاول إيران معاودة تهريب السلاح سواء إلى لبنان أو إلى قطاع غزة بواسطة البحر بعد استخلاص الدروس والعبر من اخفاقها وتحسين عملية اخفاء السلاح. والسبب أنه في الميزان العام لتهريب السلاح من أجل محاربة إسرائيل، فإن النجاحات التي حققتها إيران أكثر من الاخفاقات، فهي استطاعت ان تهرب كميات كبيرة من السلاح سواء إلى حزب الله أو إلى التنظيمات الفلسطينية في القطاع.

·      تقوم إيران بنقل السلاح إلى حلفائها وعملائها من طريق البر والجو والبحر من أجل تنويع طرق التهريب، لكن الطريق البحري هو الأفضل لأنه يتيح نقل كميات كبيرة من السلاح أكثر مما يمكن نقله بواسطة الجو والبر، كما ان التهريب من طريق الجو والبحر يترك وراءه بصمات واضحة. لكن من جهة أخرى، عندما تكشف استخبارات الخصم شحنات السلاح المهربة من طريق البحر، فإن قدرة إيران في الدفاع عنها محدودة نظراً لوجودها على بعد آلاف الكيلومترات عن أراضيهاـ واحتمال تعرض العملية لخطر الفشل كبير. وعلى الرغم من ذلك، من المحتمل ألا تتنازل ايران عن الطريق البحري وأن تواصل استخدامه في تهريب السلاح.

·      يعتبر السودان الهدف المفضل كمحطة انتقالية من أجل نقل السلاح من إيران إلى مصر، ومن هناك عبر سيناء إلى قطاع غزة، بسبب العلاقات الوثيقة التي تربط إيران بالسودان ولضعف النظام السوداني. لكن هذه الطريق تبدو اشكالية في جزئها الشمالي- أي في سيناء والانتقال إلى قطاع غزة، إذ يبذل الحكم المصري الحالي جهوداً كبيرة من اجل تعزيز سيطرته على سيناء وإغلاق طرق التهريب من سيناء إلى القطاع من خلال التدمير المستمر للأنفاق في ما بينهما. لذا ليس واضحاً كيف خطط الإيرانيون لإدخال هذه الشحنة إلى القطاع، ولا سيما أنها اشتملت على صواريخ ثقيلة.

·      وفي هذه المرحلة ليست واضحة الجهة التي كانت شحنة السلاح موجهة إليها، هل هي "حماس"- على الرغم من برودة العلاقات بينها وبين إيران منذ سنة 2012؟ أم هي الجهاد الإسلامي، التنظيم الفلسطيني الأكثر قرباً من إيران؟ فإذا كان السلاح موجهاً إلى "حماس"، فهذا يشير إلى حدوث مصالحة بينها وبين إيران. ومن المحتمل أن هذا السلاح كان سيوزع بين "حماس" والجهاد الإسلامي، فالتنظيمان يتعاونان في ما بينهما في كل ما له علاقة بالتزود بالسلاح البعيد المدى ضد إسرائيل، كما يوجد بينهما تفاهمات حيال توقيت استخدام القوة أو كبحها وفقاً لتغير الظروف.

·      إن العنصر الأساسي الذي اشتملت عليه هذه الشحنة هو 40 صاورخاً ثقيلاً من عيار 302 مليمتراً صنعت في سورية وهي تشبه الصواريخ الصينية WS-1. وتحمل هذه الصواريخ رأساً حربياً يبلغ وزنه 150 كيلوغراماً ومداه نحو 100 كيلومتر. وطورت سورية أنواعاً اخرى من هذه الصواريخ تصل إلى 200 كيلومتر وتحمل رؤوساً حربية يرواح وزنها بين 125 و175 كيلوغراماً.

·      واستناداً إلى الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، كان على متن السفينة أيضاً صواريخ متوسطة المدى 90 إلى 160 كيلومتراً، مثل تلك التي لدى حزب الله واستخدمها في حرب لبنان الثانية [تموز/يوليو 2006]. وهذه ليست صواريخ دقيقة ودرجة دقتها في أحسن الحالات تصل إلى نحو 1% من الهدف (1,000 إلى 1,600 متر في طرف الهدف). ولو وصلت هذه الصواريخ إلى يد "حماس" او الجهاد الإسلامي، فإن هذا كان سيشكل زيادة مهمة في قدرتهما على تهديد السكان في إسرائيل. لكن هذه الزيادة لا تشكل تغييراً دراماتيكياً لأن لدى "حماس" صورايخ من نوع "فجر -5" من انتاج إيران يبلغ مداها 75 كيلومتراً وتحمل رأساً حربياً زنته 174 كيلوغراماً. (ويوجد من فجر-5 نموذج مداه الضعف أي 180 كيلومتراً). ثمة سؤال مطروح: لماذا اختار الإيرانيون ارسال صواريخ من انتاج سورية تحديداً؟ إن تفسير هذا الاختيار بأنه يهدف إلى اخفاء دور إيران ليس هو التفسير الملائم نظراً لوجود قذائف هاون من صنع إيران في الشحنة.

·      ثمة سؤال آخر: لماذا خرجت الشحنة من سورية وليس من إيران التي شكلت محطة موقتة فقط؟ يمكننا الافتراض أن الحاجة إلى اخفاء طريق التهريب- حتى لو اشتملت الشحنة على سلاح من صنع إيران، كان مهماً جداً في هذه المسألة. ويدل خروج الشحنة من سورية على تحولها إلى حاضنة أساسية للارهاب، وإلى أهم مصدر للسلاح المتطور للتنظيمات الارهابية حتى أثناء الصراع الوحشي الذي يخوضه نظام الأسد دفاعاً عن مستقبله وبقاء حكمه.
في ظل هذه الأجواء، تبدو سورية مستعدة لأن تستخدم كقاعدة تساعد إيران في توزيع السلاح ليس إلى حزب الله فحسب، بل إلى التنظيمات الارهابية في قطاع غزة جراء الضعف الحالي للأسد الذي يسمح لإيران بزيادة نفوذها داخل السياسة السورية.

·      جاء الكشف عن شحنة السلاح في وقت غير ملائم بالنسبة لإيران، أي خلال ذروة المساعي التي تبذلها من أجل الحصول على صورة الدولة المعتدلة والايجابية في نظر حكومات الغرب. كما جاء خلال المحادثات من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي للمشكلة النووية. ولهذا السبب سارعت إيران إلى تكذيب تورطها في صفقة السلاح ولم تدخل في جدل بشأن مصدرها. كما أن انشغال الاعلام الغربي بالأزمة الأوكرانية وباختفاء الطائرة الماليزية حول الأنظار عن الاستيلاء على السفينة، الأمر الذي ساعد الإيرانيين. 

·      في جميع الأحوال، يبدو واضحاً أن الاستيلاء على السفينة لن يؤثر بصورة كبيرة على المحادثات بشأن المسألة النووية بسبب الاهتمام الكبير للحكومات الغربية بالتوصل إلى اتفاق نهائي في هذا الشأن. وهذا يعني أن جهود إسرائيل في تحويل الاهتمام إلى الاستيلاء على السفينة ستظهر وكأنها محاولة لتخريب المحادثات النووية.

·      بناء على ذلك، فإن الحادثة ستبقى في هذه المرحلة بصورة خاصة محصورة في النطاق الإسرائيلي - الإيراني، وتبدو حظوظ تحويل هذه المسألة نحو أهداف أخرى منخفضة. 

·      في هذه الأثناء هناك تفاهم بين الأطراف المشاركة في المحادثات النووية على التركيز على المسائل النووية وعدم توسيع اطار هذه المحادثات إلى مسائل أخرى مثل المشكلات الإقليمية أو الداخلية- الإيرانية. لكن لا يمكن ان نستبعد احتمال أن يجري مستقبلاً توسيع اطار موضوع المحادثات حيث من المفترض ان تطرح الحكومات الغربية موضوع التورط الإيراني في الإرهاب، وفي شحنات السلاح الإيراني إلى التنظيمات الإرهابية.

·      ويمكننا افتراض أن المحاولة الإيرانية لتهريب السلاح إلى قطاع غزة ستثير قلق النظام المصري الذي يبذل جهداً كبيراً لتعزيز سيطرته على سيناء ومنع تهريب السلاح إلى القطاع وتقليص الهجمات الإرهابية في مصر. ويمكن ان نضيف إلى ذلك، أن النظام المصري ينظر إلى "حماس" بوصفها عدواً يساعد الإخوان المسلمين في القيام بعمليات إرهابية في سيناء وفي قلب مصر. لذا فمن المنتظر أن تساهم هذه القضية في توثيق التعاون الأمني بين مصر وإسرائيل والسعودية والأردن لكبح تهريب السلاح من إيران إلى سورية ودول اخرى.

·      في الخلاصة، تعتبر إيران أن لديها حساباً مفتوحاً وطويلاً مع إسرائيل، وهو يشمل عمليات الاستيلاء السابقة على سفن السلاح، واغتيال العلماء الإيرانيين، وإدخال فيروس إلى أجهزة الكومبيوتر الإيرانية، واغتيال القائد العسكري لحزب الله عماد مغنية الذي تتهم إيران إسرائيل به. ومن مصلحة إيران ردع إسرائيل عن الاستمرار في القيام بخطوات من هذا النوع. لذا يجب أن نأخذ في حسابنا أن إيران سترد على تراكم هذه الخطوات بعملية انتقامية ضد إسرائيل ربما بواسطة حزب الله.