حزب الله في عين العاصفة من جديد
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال

·       لم تكن الأسابيع الأخيرة سهلة بالنسبة إلى حزب الله، ففي 27 شباط/ فبراير، أطل الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، من محطة المنار التلفزيونية التابعة للحزب، كي يدحض الشائعات التي تحدثت عن إصابته بمرض خطير، ونقله للعلاج السريع في طهران. كما ادّعت تقارير صدرت عن المعارضة السورية أن نائبه، الشيخ نعيم قاسم، أصيب بجروح خطيرة في سورية، وتبيّن فيما بعد أنها غير دقيقة، لكن توقيت نشرها أضرّ بصورة الحزب الذي يعاني من تعقيدات داخلية وإقليمية ودولية.

·       وفي الحقيقة، فإن هذه التطورات فاقمت الأزمة التي يعانيها حزب الله منذ أكثر من عام بسبب موقفه من الصراع الداخلي في سورية. ففي البداية استقبل حزب الله مجيء "الربيع العربي" بفرح وأعلن دعمه للمتظاهرين في تونس والجزائر، لكن حماسته سرعان ما تبددت عندما بدأت رياح التغيير تهدد حليفه بشار الأسد في سورية.

·       لقد تحوّل دعم حزب الله لنظام الأسد إلى التزام سياسي شديد الأهمية. فبعد أن بنى الحزب الشيعي اللبناني اسمه وصورته بصفته قائداً "للمقاومة"، و"المدافع عن مصالح لبنان الوطنية"، فإن دعمه المطلق للنظام السوري الاستبدادي والظالم، كشف أمام أنظار كثير من المراقبين، سواء في داخل لبنان، أو في أنحاء الشرق الأوسط،  نفاق الحزب. وبعد أن بلغت مكانة الحزب القمة في أعقاب "النصر الإلهي" ضد إسرائيل في حرب لبنان في سنة 2006، إذ بصورته تتشوه وتتضرر، وخلال العام الماضي جرى اتهام حزب الله بالنفاق وبازدواجية اللغة، وبأنه يضع نفسه في خدمة المصالح الخارجية، وبصورة خاصة مصالح إيران.

·       وقد ازدادت خلال الأشهر الأخيرة الانتقادات، مع تكاثر التقارير التي تحدثت عن المشاركة الفاعلة لحزب الله في الصراع الدائر في سورية. ويبدو أن الحزب إلى جانب دعمه السياسي، بات متورطاً بصورة مباشرة في الحرب الأهلية السورية، وأنه ساهم في التدريب وفي العمل العسكري الفاعل إلى جانب نظام الأسد. صحيح أن عدد مقاتلي الحزب الذين ينشطون إلى جانب قوات الأسد غير معروف، لكن من الواضح أن الحزب يقوم بالكثير، وأنه تحوّل إلى طرف في القتال الدائر.

·       وانعكس تزايد تدخّل حزب الله في الحرب الأهلية في سورية على صورته السياسية داخل لبنان، ولا سيما في ظل اتهامات المعارضة اللبنانية للحزب بأنه يقوم بجرّ لبنان إلى الوحل السوري. وعلى الرغم من أن حزب الله ليس اللاعب اللبناني الوحيد الذي يشارك في الأحداث في سورية - إذ يقوم الإسلاميون السنّة أيضاً باجتياز الحدود والمشاركة في القتال إلى جانب قوات المعارضة السورية ضد الأسد - فإن التدخل المنهجي للحزب أهم بكثير، سواء من حيث الحجم، أو من حيث التأثير.

·       من جهة أُخرى، يواجه حزب الله أيضاً مزيداً من الضغط الدولي، وذلك في إثر توجيه المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، في سنة 2011، اتهامها إلى أعضاء في الحزب بالضلوع في التخطيط وفي تنفيذ عملية الاغتيال التي تعرّض لها رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري في سنة 2005. وعلى الرغم من أن هذه الاتهامات لم تؤدّ إلى تراجع مهم في قوة حزب الله على الصعيدين المحلي والدولي، فإن اتهامات بلغاريا الأخيرة بشأن تورّط مباشر للحزب في الهجوم الإرهابي الذي وقع في بورغاس في تموز / يوليو 2012، سيكون لها تأثير كبير جداً. فبعد مرور أشهر من التحقيقات اتهمت حكومة بلغاريا حزب الله بالقيام بالهجوم الإرهابي الذي أدى إلى مقتل خمسة إسرائيليين ومواطن بلغاري واحد. واعترف مواطن لبناني يحمل الجنسية النروجية، وكان اعتُقل في قبرص في تموز / يوليو 2012، في أثناء محاكمته، بأنه عضو في حزب الله، وأن الحزب أرسله كي يجمع معلومات عن رحلات الطيران الإسرائيلي وعن السياح الإسرائيليين، بقصد التخطيط لهجوم إرهابي في قبرص.

·       وكان لهذه المعلومات أهمية خاصة لأنها أثارت الجدل داخل الاتحاد الأوروبي حيال موقف الاتحاد من حزب الله. فحتى الآن لم يضع الاتحاد الأوروبي حزب الله على لائحة التنظيمات الإرهابية، والدولتان الوحيدتان اللتان خرجتا عن ذلك هما: هولندا التي صنّفت حزب الله كتنظيم إرهابي (على الرغم من الاعتراف بالجناح السياسي للحزب كتنظيم شرعي)، وبريطانيا التي تقود حملة تحاول من خلالها إدانة عمليات الحزب العسكرية، مع إبقاء الباب مفتوحاً أمام المساعي السياسية. وعلى الرغم من وجود منطق سياسي معيّن لهذه المحاولة، فإن التمييز بين الجناح السياسي والجناح العسكري للحزب يتناقض مع حقيقة هذا التنظيم القائم على بنية هرمية محكمة، وتماسك داخلي كبير.

·       وفي ضوء تراكم الأدلة التي تربط بين حزب الله وبين العمليات الإرهابية التي وقعت على الأرض الأوروبية، بدأ الاتحاد الأوروبي بإعادة النظر في موقفه من الحزب. وفي هذا السياق تحاول بريطانيا أن تدفع الاتحاد إلى تبنّي موقفها من حزب الله، بينما ترفض دول أوروبية أُخرى مثل فرنسا ذلك، خوفاً من التأثير الذي سيكون لملاحقة حزب الله، أو جناحه العسكري، في لبنان، وفي الاستقرار في هذا البلد، وخوفاً من زيادة تعقيد الوضع الهشّ في لبنان. وحتى الآن، وعلى الرغم من دعوة الحكومة البلغارية إلى اتخاذ موقف حازم ضد حزب الله، فإن الاتحاد الأوروبي لا يزال منقسماً في هذا الشأن، ولن يسارع إلى اتخاذ موقف معين، لكن مجرد التهديد بإعلان أن حزب الله هو تنظيم إرهابي، يساهم في الضغط على الحزب.

·       وعلى المدى البعيد، فإن تضافر الضغط الدولي المتزايد والنقد الداخلي والتدخل المباشر في الحرب السورية، يبشّر بمحن تنتظر الحزب وتهدد الدعم الدولي والإقليمي والمحلي الذي يتمتع به. وإلى جانب ذلك، فإن حزب الله مضطر إلى تحضير نفسه لمرحلة ما بعد الأسد. وفي الواقع، فإن نهاية الأسد ستؤدي إلى إحداث تغييرات مهمة داخل لبنان، وعلى صعيد الحياة السياسية هناك، وستزيد في قوة تحالف 14 آذار المعارض لسورية، وتبعث من جديد الروح في ثورة الأرز.

·       إلى جانب ذلك، فإن التنظيمات الجهادية السلفية في لبنان، وبدعم من مؤيديها في سورية، ستبدأ بإظهار عدائها ومعارضتها لسيطرة الحزب الشيعي على لبنان من خلال زيادة الهجمات ضد أهداف تابعة لحزب الله.

·       على الصعيد السوري الداخلي، فإن انهيار النظام معناه نهاية العلاقات القائمة حالياً بين الأسد وحزب الله، وبدء مرحلة جديدة شديدة الغموض.

 

·       وبناء على هذا كله، فإن حزب الله اليوم في وضع ضعيف، ولا سيما من الناحية السياسية. لكن على الرغم من ذلك، فإنه، من وجهة النظر الإسرائيلية، مازال تنظيماً عسكرياً قوياً قادراً عند نشوب مواجهة بينه وبين إسرائيل على خوض حرب طويلة ومدمرة. ولذا، يتعين على إسرائيل أن تبقى يقظة للتطورات في المنطقة، وألاّ تنجر إلى استفزازات محتملة، كما عليها أن تدرك أن حزب الله يتعرض للضغط، ويريد خدمة مصالح خارجية كي يحوّل المواقف السلبية الموجهة ضده نحو الدولة اليهودية.