الجهاد في سورية: دور الإسلام الراديكالي في الصراع في سورية
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال، العدد 355

 

·       ساهمت التقارير الأخيرة التي تحدثت عن انتقال عشرات المجاهدين الكويتيين إلى سورية للمشاركة في القتال الدائر هناك في إلقاء الضوء على تعاظم دور المجموعات الراديكالية الإسلامية في الأحداث السورية. فقد تحولت سورية منذ كانون الثاني/يناير 2012 إلى ساحة جهاد عالمية، وبرزت مشاركة عدد من المجموعات الجهادية السورية والأجنبية في القتال الدائر. ولا يشكل هذا التطور تهديداً جدياً للحكومة السورية الحالية أو تلك التي ستأتي من بعدها فقط، بل يهدد أيضاً المعارضة المسلحة التي يتزعمها الجيش السوري الحر.

·       يوجد في سورية في الوقت الحاضر عشر مجموعات سورية وأجنبية ذات أيديولوجيات مختلفة تشارك في الجهاد المسلح، ويمكن تصنيفها ضمن ثلاث فئات: الفئة الأولى هي مجموعات "الدعم"، ومهمتها مراقبة وصول السلاح والمقاتلين إلى سورية؛ الفئة الثانية هي "الميليشيات" التي تقوم بالهجمات المحدودة والمتواصلة على قوات الأمن السورية؛ الفئة الثالثة هي المجموعات "الإرهابية" التي تقوم بعمليات التفجير، والتي تساهم مساهمة كبيرة في الصراع الدائر اليوم في سورية.

·       ومنذ كانون الثاني/يناير 2012 نفذت هذه المجموعات نحو 12 هجوماً كبيراً، بما في ذلك تفجير سيارات ملغومة في دمشق وحلب وإدلب. وقد ساهمت هذه الهجمات في مفاقمة العنف في سورية، وشكلت ضربة معنوية كشفت ضعف الأجهزة الأمنية السورية.

·       ويمكننا القول إن وراء هذه العمليات تنظيمان سوريان سلفيان هما: جبهة النصرة التي مركزها إدلب، وكتائب أحرار الشام. ولقد تحول هذان التنظيمان، اللذان يتمتعان بدعم القاعدة في العراق، إلى أهم المجموعات السورية المشاركة في الصراع. وعلى الرغم من عدم تمتع المجموعات "الإرهابية" بتأييد واسع داخل سورية، وعدم وجود علاقات بينها وبين الجيش السوري الحر، فإنها تحظى بتأييد واسع خارج سورية، والتحق بها عدد من المقاتلين السلفيين من العراق والأردن ومصر، وفي الفترة الأخيرة، من الكويت.

·       ولا يقتصر الدعم الخارجي على هذه المجموعات وحدها، بل يشمل أيضاً عدداً من "الميليشيات" المشاركة في القتال السوري، كما أنه مسؤول أيضاً عن تصاعد العنف حول مدينة حمص، وعن ازدياد استخدام العبوات الناسفة ضد مراكز الأمن السورية الرسمية منذ كانون الثاني/يناير 2012. وعلى الرغم من الاختلاف الأيديولوجي بين هذه الميليشيات، فإنها أقامت علاقات فضفاضة مع الجيش السوري الحر، وهي تدعمه في عملياته ضد قوات الأمن السورية مستخدمة تكتيك حرب العصابات والتجربة التي اكتسبتها من ساحات الجهاد الأخرى. ومن بين المجموعات التي تعمل مع الجيش السوري الحر، مثلاُ، التنظيم اللبناني "فتح الإسلام".

·       وتشكل مجموعات "الدعم" السبيل الأساسي لإيصال السلاح والمقاتلين عبر ممرات التهريب، وبصورة خاصة من العراق ولبنان. وتساهم هذه المجموعات بشكل كبير في دعم الصراع، وقد تنضم إليه في مرحلة لاحقة، ومن الأمثلة على ذلك "الجيش الحر للعراقيين".

·       كذلك تساهم المجموعات الراديكالية الإسلامية في زيادة الضغط الداخلي على الحكومة السورية في جميع أنحاء البلد، إذ إن قلة عددها، وهجماتها غير المتوقعة، وقدرتها الكبيرة على زرع الاضطراب، تجعل من الصعب على القوات السورية النظامية مقاتلتها كما هو الحال مع الجيش السوري الحر، الأمر الذي يساهم مع مرور الوقت في إضعاف الحكومة السورية.

·       بالنسبة إلى المعارضة السورية، تشكل العناصر الإسلامية الراديكالية شريكاً ضرورياً في صراعها ضد النظام في سورية، إلاّ إنها شريك إشكالي أيضاً، إذ تحاول المعارضة الاستفادة من هذه المجموعات المسلحة والتحالف مع بعضها وإدانة بعضها الآخر (وخصوصاً القاعدة).

·       في المقابل تأمل المعارضة السورية بألاّ تؤدي استعانتها بالقوة القتالية لهذه المجموعات إلى إلحاق الأذى بصدقيتها تجاه الشعب السوري والمجتمع الدولي. إذ إن ازدياد قوة هذه التنظيمات الراديكالية الإسلامية ومهارتها، فضلاً عن علاقاتها غير الواضحة مع المعارضة، وخصوصاً مع الجيش السوري الحر، سيؤديان، على المدى البعيد، إلى ظهور تحديات إضافية في وجه هذا الجيش لدى وصوله إلى السلطة في سورية. ويمكن القول إن قدرة أي سلطة سورية مستقبلية في السيطرة على هذه التنظيمات الأصولية ستشكل مسألة مهمة، وذلك في ضوء احتمال أن يتكرر في سورية ما حدث في العراق بعد الغزو الأميركي له سنة 2003، حين استغلت التنظيمات الإسلامية الراديكالية الفراغ الذي نشأ نتيجة حل القوى الأمنية النظامية لتفرض وجودها القوي، الذي ما زال حاضراً حتى اليوم.

·       إن وجود العناصر الإسلامية الراديكالية في سورية وخارجها يمكن على المدى البعيد أن ينعكس على لاعبين إقليميين هما: حزب الله وإسرائيل. فبالنسبة إلى حزب الله، الذي يهدد الصراع الدائر في سورية تحالفه مع دمشق وطهران، سيشكل صعود المجموعات الإسلامية السنية الرايكالية المعادية له في سورية خطراً حقيقياً على نفوذه السابق الذي لم يكن له منازع.

·       أمّا بالنسبة إلى إسرائيل، فقد كان الصراع في سورية مفيداً لها لأنه ساهم في زعزعة النظام السوري، وأضعف حليفيه الأساسيين إيران وحزب الله. لكن على الرغم من ذلك، فإن صعود التنظيمات الإسلامية الراديكالية الشديدة العداء لإسرائيل قد يؤدي إلى عودة الهجمات من جانب هذه التنظيمات على الحدود الشمالية. ومع تحول الوضع في سورية إلى صراع طائفي وفوضى، فمن شبه المؤكد أن تستغل المجموعات الراديكالية الإسلامية هذا الوضع، والسؤال الذي يطرح نفسه هو عن مدى هذا الاستغلال.