لا اتفاق إطار من دون القدس
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

·      إن المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين على "اتفاق إطار" في المفاوضات على اتفاق سلام، عالقة. والسبب هو رفض إسرائيل الموافقة على أن يرد في اتفاق الإطار أنها مستعدة للبحث في مطالب الفلسطينيين بأن تكون عاصمة دولة فلسطين في القدس الشرقية. قبل شهر نشرت "هآرتس" أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، شدد أمام وزراء الليكود وشخصيات أخرى في الجهاز السياسي على أنه لن يوقع اتفاق إطار يأتي ولو بصورة عامة على ذكر عاصمة فلسطينية على أراضي القدس، حتى لو أدى ذلك إلى تفجير المفاوضات.

·      وفي الحقيقة، فإن مستقبل القدس الشرقية ومستقبل جبل الهيكل يشكلان المشكلة الأصعب للحل في المفاوضات على اتفاق الإطار التي تجري هذه الأيام بوساطة كبيرة من جون كيري وزير الخارجية الأميركي. ولهذا السبب، يطالب رئيس الحكومة بتأجيل البحث في هذه المسألة إلى النهاية. لكنني أعتقد أن نتنياهو على خطأ عندما يرفض أي ذكر لعاصمة فلسطينية على أراضي القدس.

·      عشية حزيران/يونيو 1967 كانت مساحة القدس الإسرائيلية (القدس الغربية) 38 كيلومتراً، ومساحة القدس الأردنية (بما في ذلك الحوض المقدس) 6 كيلومترات. وبلغت مساحة ("القدس الموحدة") 44 كيلومتراً. في نهاية حزيران/يونيو 1967 ضُمّت أراضي القدس الأردنية إلى القدس، كما جرى ضم نحو 64,5 كيلومتراً من الأراضي التابعة لـ28 قرية في يهودا والسامرة [الضفة الغربية] تقع ضمن نطاق بلدية بيت لحم وبيت جالا والبيره وغيرها. ومنذ ذلك الحين أصبح يطلق على الأراضي التي جرى ضمها اسم "القدس الشرقية"، حيث جرى بناء 13 حياً يهودياً جديداً. وبهذه الطريقة توسعت مساحة القدس في وقت قصير وباتت 108.5 كيلومترات، وأصبحت مساحتها اليوم 126.4 كيلومتراً (وذلك في أعقاب ضم مناطق جديدة واقعة غربي المدينة).

·      ولسبب ما، قام الجمهور الإسرائيلي وزعماؤه بتوسيع القداسة المنسوبة إلى القدس القديمة بحيث أصبحت تشمل أيضاً ليس القدس الغربية فحسب بل المناطق التي جرى ضمها إلى القدس. ومن هنا يأتي الموقف الإسرائيلي بأن القدس ليست مطروحة للمفاوضات، وستبقى إلى الأبد العاصمة الكاملة والموحدة لإسرائيل.

·      يتجلى هذا الموقف من خلال اقتراحات القوانين التي قدمها عضوا الكنيست يعقوب ليتسمان (حزب يهودت هتوراه) وميري ريغيف (من الليكود) التي تحظر طرح موضوع القدس على طاولة المفاوضات من دون الحصول مسبقاً على موافقة أغلبية 80 عضو كنيست على الأقل. ويشكل هذا موقفاً متطرفاً وغير مقبول، لا سيما أن دولة إسرائيل تعهدت منذ وقت طويل في إطار اتفاقات أوسلو، بإجراء مفاوضات بشأن مستقبل القدس. وبالفعل، استبعدت اقتراحات القوانين هذه عن جدول أعمال الكنيست لأن أغلبية أعضاء الكنيست ووزراء الحكومة يدركون أنه لا يمكن منع المفاوضات على مستقبل القدس الشرقية.

·      ونظراً إلى أن مدينة القدس الحالية تشمل 64 كيلومتراً من أراضي يهودا والسامرة [الضفة الغربية]، وبما أن الكل يوافق على تسوية جغرافية في يهودا والسامرة ضمن إطار تسوية سلمية، لذا يجب ألا تكون هناك مشكلة في التنازل عن أراض تابعة للضفة الغربية ضُمت إلى القدس.

·      إلى جانب ذلك، قمت بدراسة الخطوط الأساسية لجميع الحكومات الإسرائيلية، وجميع الاتفاقات الائتلافية، وانتبهت إلى أن القدس، خلافاً للماضي، لا يرد ذكرها في الخطوط الأساسية للحكومة الحالية. ومن شبه المؤكد أن هذا التغيير ينبع من إدراك صعوبة التوصل إلى اتفاق سلام من دون تسوية جغرافية في القدس أيضاَ، وضرورة إعطاء الحكومة إمكانية إجراء المفاوضات في هذا الموضوع أيضاً.

·      في اعتقادي أنه يجب ألا نتنازل عن السيادة الإسرائيلية على جميع الأحياء العربية في القدس الشرقية (بحسب ما اقترحته خطة كلينتون) لأسباب أمنية خالصة ولكونها مندمجة مع الأحياء اليهودية. لكن يمكننا التنازل عن جزء من هذه الأحياء بالطبع- سواء لاعتبارات أمنية أو ديمغرافية- مثلاً حي راس خميس وقرية عقب ومخيم اللاجئين شعفاط الذي حتى حزيران/يونيو 1967 كان خارج نطاق القدس الأردنية. علاوة على ذلك، ليس لهذه الأحياء أي قداسة أو أهمية تاريخية بالنسبة للإسرائيليين. لهذا السبب لا شيء يمنع من ناحية إسرائيل أن يقيم الفلسطينيون هناك عاصمة دولتهم العتيدة.

·      يشكل الفلسطينيون 36% من سكان القدس الذين يبلغ عددهم 815.300 شخص (سنة 2012). وبالاستناد إلى توقعات الخبراء، فإن العرب في سنة 2020 سيشكلون نصف سكان المدينة. لهذا لا يمكن المحافظة على الطابع اليهودي للقدس من دون إعادة جزء كبير من أحيائها العربية.

·      ويتعين علينا أن نشدد هنا على أن المقصود حتى الآن هو أن تظهر إسرائيل "الاستعداد لمناقشة" مستقبل القدس الشرقية فقط، لا التنازل فعلاً عن أي جزء منها. إلى جانب ذلك، فإن إسرائيل في هذه المرحلة ليست مطالبة ولا ملزمة بأن توضح ما هي الأحياء العربية في القدس التي هي مستعدة للتنازل عنها في إطار اتفاق سلام، وهي تستطيع الاكتفاء بإعلان عام عن استعدادها المبدئي للبحث في هذا الموضوع.

·      ثمة أهمية أمنية وسياسية كبيرة لتوقيع اتفاق إطار الآن. كما أن اقدام إسرائيل على تفجير الاتصالات في هذا الشأن سيتسبب بانفجار انتفاضة ثانية، وسيلحق ضرراً كبيراً بعلاقة إسرائيل مع دول العالم الذي سيحملنا المسؤولية عن ذلك.