· من المنتظر أن تكون تركيا بين الموضوعات التي ستُطرح في اللقاء المرتقب الذي سيجمع الرئيس أوباما برئيس الحكومة نتنياهو. ففي الماضي سُميت تركيا "رجل البوسفور المريض"، وكانت مواقفها سبباً في توريط أوروبا والتسبب بالحرب العالمية الأولى. كذلك اليوم، فإن تركيا في عهد أردوغان، على علاقة معقدة مع أوروبا والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي الذي تركيا عضو فيه. فعلى سبيل المثال، لم تتخلص تركيا من ذكريات الزمن الذي كان فيه العراق يشكل جزءاً لا يتجزأ منها، وهي تتدخل اليوم في شؤونه الداخلية، وتفاقم في حالة عدم الاستقرار السائدة هناك. وفي المدة الأخيرة وصف دبلوماسي غربي الطريقة التي تتصرف فيها تركيا بأنها تفتقر إلى المسؤولية، ويتجلى ذلك مثلاً في المساعدة التي تقدمها تركيا إلى إيران من خلال تسويق النفط الإيراني على الرغم من العقوبات.
· كما تثير تركيا غضب حلفائها في الغرب فيما يتعلق بموضوع قبرص، إذ يطلب الاتحاد الأوروبي من أنقرة الاعتراف باستقلال الجزء اليوناني من الجزيرة، لكن أنقرة ترفض ذلك، كما أن الغرب يطالبها بإجلاء قواتها العسكرية عن الجزء الشمالي من الجزيرة ورفع الحظر الاقتصادي الذي فرضته تركيا على الجمهورية القبرصية اليونانية، لكن من دون جدوى. لا بل على العكس، فإن تركيا تهدد بالوقوف في وجه المستثمرين القبارصة لاستخراج الغاز من المياه الإقليمية. وتحوم فوق هذا كله الغيوم السوداء لعلاقة الحب - الكراهية بين تركيا والاتحاد الأوروبي. ففي سنة 2000 وضعت أوروبا وثيقة حددت فيها شروط انضمام تركيا إلى الاتحاد، وقد تضمنت عدداً من الخطوات على الصعيدين الداخلي والاقتصادي، لكن أغلبيتها لم تتحقق. وقبل بضعة أسابيع أعربت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، في أثناء زيارة قامت بها لتركيا، عن اعتقادها بأن تركيا ستنضم إلى الاتحاد الأوروبي، لكنها أضافت "أنه ما زال هناك طريق طويلة" لتحقيق ذلك. وفي الواقع، فإن حظوظ تركيا في الانضمام إلى الاتحاد لم تتحسن بعد كلام أردوغان عن الصهيونية. وقد دان وزيرا الخارجية الألماني والأميركي بشدة هذا الكلام، كما أرسل 20 عضواً في البرلمان الأوروبي رسالة شديدة اللهجة إلى وزيرة خارجية الاتحاد السيدة أشتون طالبوها فيها بإدانة تصريح أردوغان خلال الاجتماع الاستشاري المرتقب لوزراء الخارجية.
· أين موقع الولايات المتحدة في هذه الصورة؟ إن واشنطن، بصورة عامة، تتضامن مع التوجهات الأوروبية، لكنها مع ذلك لا تزال تعتبر تركيا دعامة استراتيجية مهمة في المحافظة على المصالح الأميركية في الشرق الأوسط، وهي مصالح ما زالت فائقة الأهمية، على الرغم من تصريح أوباما أن التوجه الأساسي للسياسة الخارجية والدفاعية الأميركية سيكون منذ الآن نحو جنوب شرق آسيا، فـــي حيــن اسـتندت الاستراتيجيــا الأميركية فـي الماضي على مثلـث أميركا - تركيا - إسرائيل. لكن منذ بضعة أعوام (وبعد أحداث مافي مرمرة) تصدّع المحور الذي يجمع بين تركيا وإسرائيل.
· تسعى واشنطن لإعادة الأمور إلى سابق عهدها، وثمة أسباب تدفع القدس إلى التجاوب مع هذه المساعي، لأن التعاون الأمني بين الولايات المتحدة وتركيا مهم أيضاً بالنسبة إلى إسرائيل، مثلما أن التعاون الأمني الأميركي - الإسرائيلي مهم جداً بالنسبة إلى تركيا. لكن بعد التصريحات العدائية لأردوغان ووزير خارجيته داوود أوغلو، فإن حظوظ ترميم "المثلث" لا تبدو كبيرة على الرغم من المساعي الأميركية.
· يبدو أكثر فأكثر أن أردوغان يستخدم مهاجمة إسرائيل والصهيونية وسيلةً لدفع طموحاته على الصعيدين العربي والإسلامي قدماً. ففي الماضي، اعتقد الغرب أن تركيا في ظل حكم حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي "المعتدل" ستشكل نموذجاً سيحتذيه العالم العربي، لكن، في الواقع، وعلى الرغم من ادّعاء تركيـا تزعّـم المحور الإسـلامي السني، فـإن هدفها الحقيقي هو تكويــن إطــار جيو - سياسي وأيديولوجي تحت زعامتها يشمل أغلبية الدول والشعوب التي كانت تنتمي في الماضي إلى الخلافة العثمانية. ويكمن هذا الهدف في أساس سياسة "تصفير المشكلات مع الدول المجاورة" (باستثناء إسرائيل طبعاً)، هذه السياسة التي مُنيت اليوم بالفشل الذريع، والتي أدت إلى اعادة تقويم العلاقة مع الولايات المتحدة، وانقطاعها تقريباً مع إسرائيل.