· إسرائيل اليوم في خضم عملية ذات أهمية استراتيجية كبيرة ألا وهي فضح خداع إيران أمام العالم الغربي المتحمس لإجراء مفاوضات مع الإيرانيين وتخفيف العقوبات المفروضة عليهم من دون أن يتنازل هؤلاء عن برنامجهم النووي.
· يأتي هذا الجهد على خلفية الإحباط العميق، فوزير الدفاع الإسرائيلي [موشيه يعلون] حضر قبل بضعة أسابيع مؤتمر ميونيخ ورأى كيف احتك قادة العالم مع وزير الخارجية الإيراني من دون أن يصدقوا كلمة واحدة قالها. على اثر ذلك وفي إطار من جهد شامل، طُلب من جميع أجهزة الاستخبارات والعمليات الحصول على أدلة تثبت أن إيران لم تغير فعلاً توجهها، وأنها لا تزال تسعى للحصول على القنبلة النووية وإشعال الارهاب في جميع أنحاء العالم (وليس فقط في منطقتنا).
· من زاوية هذا الجهد الاستراتيجي، يعتبر الاستيلاء على السفينة حدثاً مهماً جاء في توقيت جيد، أي في الوقت الذي يزور فيه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الولايات المتحدة ويحاول إقناع الأميركيين بأن الإيرانيين أسوأ الأعداء.
· على الصعيد العملياتي، فإن العملية ليست خارجة عن المألوف، فمنذ بضع سنوات انتهجت إسرائيل سياسة صريحة تهدف إلى إحباط وصول سلاح استراتيجي إلى يد حزب الله في لبنان وإلى أطراف في غزة.
· وهذا الجهد مهم جداً بالنسبة لقطاع غزة، ولا سيما في ظل الضرر الكبير الذي لحق بمنظومة الصواريخ البعيدة المدى لكل من "حماس" والجهاد الإسلامي الفلسطيني خلال عملية "عمود سحاب" التي جرت قبل سنة وأربعة أشهر، فمنذ تلك الفترة تجد منظمتا "حماس" والجهاد صعوبة في إعادة بناء الترسانة الصاروخية التي كانت لديهما عشية العملية بسبب إقدام الحكم العسكري الحالي في مصر على إغلاق أنفاق التهريب في منطقة رفح بصورة كاملة، وبسبب عمليات منع التهريب التي تقوم بها إسرائيل في الشرق الأوسط كله.
· في اللغة العسكرية يطلق في الجيش الإسرائيلي على هذا النوع من العمليات اسم "معركة بين الحروب". واستناداً إلى تقارير أجنبية، نفذ سلاح الجو الإسرائيلي ووحدات الكوماندوس أكثر من عملية في السودان خلال الأعوام الأخيرة بهدف تدمير شحنات السلاح التي كانت بحسب الاستخبارات متوجهة إلى قطاع غزة.
· إن وقوع هذه الهجمات في السودان يبدو منطقياً، إذ يقع السودان على خط تهريب السلاح من إيران إلى قطاع غزة بحيث يجري تهريب السلاح على سفن من الخليج الفارسي، ثم يُخزن في الأراضي السودانية ومن هناك يُهرب في شاحنات عبر سيناء إلى غزة من خلال الأنفاق في رفح.
· أما سبب قيام سلاح البحر بهذه العملية المعقدة التي كان يمكن أن تؤدي إلى مضاعفات على بعد 1500 كيلومتر، وبعد التحضير لها لأشهر عدة، بدلاً من هجوم أقل خطورة يقوم به سلاح الجو، فهو أنه من الأفضل في الوضع الحالي الاستيلاء على شحنة السلاح وإحراج إيران بدلاً من تدميرها. ومن هنا، فإن المسعى العسكري في أفريقيا ترافق مع مسعى سياسي مركز ضد إيران، ومسعى دعائي واسع النطاق حتى قبل وصول السفينة إلى مرفأ إيلات.
· على الرغم من ذلك، لا يمكن الاستهانة بالخطر الاستراتيجي الذي كان من الممكن أن ينجم من جراء وصول هذه الشحنة من السلاح إلى غزة. فلو كان هذا السلاح وصل إلى غزة لكانت أغلبيته أرسلت إلى مخازن الجهاد والجزء القليل منه إلى مخازن "حماس".
لقد حققت العملية الإسرائيلية هدفاً أساسياً هو الكشف عن وجه إيران الحقيقي، فهل سيهتم العالم بالبشرى الإسرائيلية أم أنه سيفضل مواصلة الصفح العربدة الإيرانية؟ الجواب على هذا السؤال لا يتعلق بالجيش الإسرائيلي.