معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
مقدمة
· تثير أعمال العنف الأخيرة في يهودا والسامرة [الضفة الغربية] مخاوف كبيرة في إسرائيل إزاء احتمال نشوب انتفاضة ثالثة في المناطق [المحتلة]. فكما هو معروف، نشبت حتى الآن انتفاضتان: الأولى بدأت في كانون الأول/ ديسمبر 1987، وتركزت بصورة خاصة على التظاهرات الشعبية الواسعة التي ترافقت في بعض الأحيان مع عمليات إرهابية عنيفة. وقد حظيت هذه الانتفاضة بتأييد واسع لدى الرأي العام الدولي، وإلى حدّ معين وسط الرأي العام الإسرائيلي، كما نجحت في تحريك الضغوطات الدولية والداخلية على الزعامة الإسرائيلية، وأجبرتها على الدخول في عملية سياسية سريعة وحقيقية أدت في نهاية المطاف إلى اتفاق أوسلو. أمّا الانتفاضة الثانية فبدأت في أيلول/ سبتمبر 2000، واتخذت طابع العمليات الإرهابية القاتلة، ولا سيما من خلال العمليات الانتحارية.
· وخلال فترة طويلة من الزمن لم يكن لدى المؤسسة الأمنية في إسرائيل القدرة على إيجاد الردّ الفعلي على الهجمات الإرهابية التي أوقعت ضحايا كثيرة وسط السكان المدنيين، ووسط قوات الأمن الإسرائيلية والجيش. وفقط في إثر عملية الجدار الواقي [2002] بدأت تبرز انعطافة بطيئة ومتدرجة في قدرة إسرائيل على مواجهة الإرهاب الفلسطيني. وشهدت الأعوام الأخيرة تراجعاً كبيراً في حجم العمليات الإرهابية، بحيث يمكن أن نقول اليوم إن الإرهاب لم يعد يشكل عاملاً مهماً يؤثر في نمط الحياة العادية للمواطنين في إسرائيل.
أسباب نشوب العنف
· استناداً إلى تصريحات جهات رسمية في إسرائيل، فإن أعمال العنف التي انتشرت بسرعة في الشارع الفلسطيني هي من تنظيم أطراف في السلطة الفلسطينية. فإذا كان هذا صحيحاً، فإن سبب اندلاع هذه الأحداث هو الوضع الصعب الذي تواجهه السلطة الفلسطينية في الأعوام الأخيرة، والذي يمتاز بالخصائص التالية:
أ- استمرار غياب العملية السياسية. فالجمود في المسار السياسي مستمر منذ سقوط حكومة أولمرت، أي منذ أكثر من أربعة أعوام. ولم يسبق أن سُجل مرور مدة طويلة مثل هذه من دون عملية سياسية.
ب- عدم وجود ضغط دولي، وخصوصاً أميركي، على الحكومة الإسرائيلية من أجل تحريك العملية السياسية. وفي الواقع، فمنذ انتهاء مرحلة تجميد البناء في المستوطنات التي وافقت عليها حكومة نتنياهو (أيلول/ سبتمبر 2010)، برز توجّه الإدارة الأميركية نحو الحد جداً من تحركها في هذا الإطار.
ج-لا يبرز وسط الجمهور الإسرائيلي توجّه واضح نحو الضغط على القيادة السياسية في إسرائيل من أجل تحريك العملية السياسية.
د- تسود العالم العربي اليوم حالة هي أقرب إلى الفوضى. إذ تنشغل مصر وسورية بالصراعات الداخلية التي تتخذ في سورية خاصة، طابع الحرب الأهلية.
· وكانت الحصيلة العامة لهذا الوضع تراجع المشكلة الفلسطينية في سلّم أولويات المجتمع الدولي، وهذا يجري مع استمرار البناء في المستوطنات من دون أي رقيب، وبوتيرة سريعة جداً. في ظل هذه الأوضاع، تعتقد الزعامة الفلسطينية أنها وحدها قادرة على "القيام بشيء ما" من أجل إعادة القضية الفلسطينية إلى جدول الأعمال الدولي.
تقدير الرد الإسرائيلي المحتمل
· تعرف السلطة الفلسطينة جيداً أنها تسير على حبل رفيع. فمن جهة، لديها مصلحة واضحة في التحريض وتصعيد التوتر في المناطق، لكن من جهة أُخرى، لا مصلحة لها أبداً في التسبب بمواجهة جبهوية شاملة مع إسرائيل. وفي تقديرنا أن تصريحات أبو مازن التي قال فيها إن الانتفاضة الثانية تسببت بأضرار كبيرة للفلسطينيين، ستكبح نشوب انتفاضة شاملة في المناطق.
· وفي المقابل، فإن الزعامة الفلسطينية تقدّر، وهو تقدير صحيح إلى حد كبير، أنه ليس من مصلحة إسرائيل اليوم تصعيد الأحداث ضد الفلسطينيين، وهي ستبذل ما في وسعها للحؤول دون تصعيد يؤدي إلى مواجهة جبهوية مع الفلسطينيين. وقد تعلمت الزعامة الفلسطينية من خلال تحركها الأخير للحصول على اعتراف الأمم المتحدة بأن قدرة إسرائيل على الرد على الخطوات الفلسطينية الأحادية الجانب محدودة للغاية.أماالاعتبارات الاساسيةالتي توجّه إسرائيل فهي:
أ- إن الوضع الحاليالقائم على عدم وجود عملية سياسية أساسية هو وضع مريح جداً بالنسبة إلى الحكومة الحالية، لأنه يحول دون حدوث مواجهة بينها وبين الإدارة الأميركية، ويضمن استقرار الحكومة. كما أن أي مسعى مكثف لتحريك العملية السياسية سيؤدي إلى نشوب خطر على استقرار الحكومة الإسرائيلية الحالية.
ب- إن زيارة الرئيس أوباما المرتقبة لإسرائيل تزيد في رغبة حكومة إسرائيل في العمل على منع تصعيد الحوادث في مواجهة الفلسطينيين. فإذا حدثت الزيارة في ظل "أرض تحترق" فإن هذا قد يدفع الرئيس أوباما إلى اتخاذ خطوات من أجل تهدئة الوضع على الأرض. وسيعاد طرح مطالبة الحكومة الإسرائيلية بمبادرات حسن نية حيال السلطة الفلسطينية، الأمر الذي سيضع الزعامة في إسرائيل أمام معضلات صعبة تشبه الفترة التي جرى فيها مطالبة إسرائيل بالتجميد الكامل للبناء في يهودا والسامرة [الضفة الغربية].
يأتي الخطر الإيراني والسوري في طليعة الأولويات المطروحة على إسرائيل. وفي ظل هذه الأوضاع، فإن من مصلحة إسرائيل الامتناع من تحويل الانتباه عن هذه المشكلات في اتجاه المشكلة الفلسطينية.
ج-لقد بلغت المساعي في إسرائيل من أجل تسوية العلاقات مع تركيا مرحلة حساسة للغاية، ولذا، فإن من مصلحة إسرائيل عدم تعريض هذه المساعي للخطر من خلال تصعيد المواجهة مع الفلسطينيين.
د- إن المساعي التي يبذلها رئيس الحكومة من أجل تأليف الحكومة الجديدة تفرض عليه المحافظة بقدر الإمكان على الهدوء في المناطق [المحتلة]. ولذا، ففي الأوضاع الحالية، وإلى أن تؤلف حكومة مستقرة، فإن رئيس الحكومة لا يملك تفويضاً يخوّله القيام بخطوات قاسية في مواجهة الفلسطينيين.
خلاصة
· تدل الأحداث العنيفة الأخيرة التي وقعت في يهودا والسامرة [الضفة الغربية] على أن الزعامة الفلسطينية تشعر بأنها ملزمة القيام بخطوات تؤدي إلى إعادة القضية الفلسطينية إلى مكانتها الأولى في طليعة سلّم أولويات المجتمع الدولي. كما تعتقد الزعامة الفلسطينية أنه ليس هناك سواها للقيام بما هو مطلوب من أجل تحقيق هذا الهدف. ومن هنا الانطباع أن الزعامة الفلسطينية ترغب في زيادة التوتر في المناطق، لكن من دون أن تتسبب بـ "تحطم الأواني". وهي تقدّر أن ليس من مصلحة إسرائيل الآن تصعيد التوتر، وستحاول ما في وسعها التخفيف من حدة التوتر. فإذا نجحت السلطة الفلسطينية في المحافظة على حجم الاحتجاج، فإنها ستكون قادرة على تحقيق هدفها، أي عودة بروز المشكلة الفلسطينية على الصعيدين الإقليمي والدولي.