· في الذكرى الثالثة لنشوب الثورة السورية، يجد حزب الله نفسه في وضع من أسوأ الأوضاع التي مرّ بها منذ وجوده. إذ لا يمر يوم من دون أن يقوم الحزب بدفن أحد مقاتليه الذين يسقطون في المعارك في سورية. صحيح أن عائلات القتلى التي يقدر عددها بالمئات، تعلن دعمها للجهاد الذي يخوضه حزب الله ضد المتمردين على بشار الأسد، لكن مما لا شك فيه ان هذا العدد المتزايد من القتلى سيثير عاجلاً أم آجلاً الانتقادات وسط أنصار الحزب حيال صواب السياسة التي ينتهجها زعماؤه.
· لقد تحولت الضاحية الجنوبية، معقل حزب الله في بيروت، إلى موقع محصن منذ بدأت التنظيمات السنية الارهابية في استهداف المواطنين الشيعة انتقاماً لتدخل حزب الله في سورية. فقد حصنت المحلات والشركات نفسها بأكياس من الرمل وبالعوائق، وأصبحت نقاط التفتيش المقامة في كل حي من الأحياء، تصعب من وتيرة الحياة اليومية للناس. أما العالم العربي والإسلامي اللذين في الماضي أعجبا بالحزب ورأيا في حسن نصر الله بطلاً، فهما يتنصلان اليوم من "حزب الشيطان" الشيعي كما يلقب اليوم حزب الله من جانب أعدائه. وهناك رجال دين سنّة يحلّون علناً سفك دماء الشيعة في لبنان. يضاف إلى هذا كله المحاكمة الدولية التي تجري في لاهاي لجريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري التي من المنتظر أن تؤدي إلى إدانة عدد من كبار الحزب بالمسؤولية عن قتل الزعيم اللبناني.
· وفي الواقع، فإن قرار الحزب إرسال مقاتليه إلى الحرب في صف بشار الأسد ضد معارضيه تسبب له بمشكلات معقدة، وليس في إمكان أي طرف الاستفادة من قرار التدخل في حرب دموية في دولة مجاورة. لكن نصر الله ليس بشار الأسد، ليس فقط لأنه أكثر تجربة واتزاناً وحكمة من نظيره السوري، بل وأيضاً لأن المصاعب التي يواجهها حزب الله قد تسبب وجع رأس بالنسبة لنصر الله، في حين يقاتل الأسد من أجل بقاء نظامه.
· صحيح أن حزب الله يغرق في المستنقع السوري، لكنه منذ البداية امتنع عن أن يضع في سورية أغلبية قواته التي أبقاها في لبنان موجهة ضد إسرائيل وضد أخصامه في الداخل اللبناني. بناء على ذلك، فإن قوته العسكرية وخاصة المنظومة الصاروخية لديه لم تتضررا، ويستغل الحزب الفوضى في سورية من أجل زيادة هذه المنظومة وتحسينها.
· صحيح أن الضرر الذي لحق بصورة نصر الله في العالمين العربي والإسلامي كبير جداً، لكن نصر الله لم يعتمد يوماً على ذلك، بل هو يعتمد على الدعم الكبير الذي يحصل عليه من أبناء الطائفة الشيعية في لبنان وإيران الذين يؤيدونه تأييداً مطلقاً.
· شهدت الأعوام الأخيرة حرباً سرية بين إسرائيل والحزب. فقد اتُهمت إسرائيل باغتيال عدد من قادة الحزب، إلى جانب الهجمات التي شنتها داخل الأراضي السورية واستهدفت شحنات سلاح موجهة إلى الحزب. وقام حزب الله بعملية ارهابية ضد سياح إسرائيليين في بورغاس في بلغاريا من دون أن يعلن مسؤوليته عنها.
· وفي الأسبوع الماضي، هاجمت إسرائيل للمرة الأولى منذ حرب لبنان الثانية [تموز/يوليو 2006] هدفاً تابعاً للحزب داخل الاراضي اللبنانية. فإذا نجح نصر الله في ضبط نفسه ولم يرد على الهجوم، فإن هذا يعني إعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل لمواصلة ضرب أهداف الحزب في لبنان. لكن في الوقت عينه، يدرك نصر الله أن إسرائيل سترد بعنف على أي رد قوي من جانبه على الغارة الإسرائيلية. ومعنى هذا تأكل الإنجاز الكبير الذي حققته حرب لبنان الثانية أي الهدوء التام الذي يسود على طول الحدود في الشمال.
· اليوم هي لحظة الحقيقة بالنسبة للطرفين، صحيح أنه ليس من مصلحة إسرائيل وحزب الله الدخول في مواجهة. لكن مثلما حدث في الماضي، فإن الخطوات المدروسة والحذرة يمكن أن تخرج عن السيطرة وتؤدي إلى التدهور والتصعيد. في هذه الحال، من المهم أن نذكر مجدداً بأنه صحيح أن نصر الله في حالة تراجع على الصعيد السياسي الداخلي، لكن منظومته الصاروخية الموجهة ضد إسرائيل هي اليوم في أحسن حالاتها.