التحالف بين لبيد وبينت يقوم على كراهية الحريديم والعرب معاً
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- يقوم التحالف السياسي بين يائير لبيد ونفتالي بينت على الكراهية المشتركة الموجهة إلى الأقليتين غير الصهيونيتين في المجتمع الإسرائيلي، أي الحريديم والعرب. وفي الواقع فإن حزبَي يش عتيد والبيت اليهودي يعبّران عن الخوف الصهيوني العام إزاء مَن "يسرق منهم الدولة"، وعن اعتقادهما أن التغيير الديموغرافي أوجد واقعاً جديداً مختلفاً عن حلم أجدادنا، ولذا من الضروري إعادة الأقليات إلى مكانها السابق على الهامش قبل فوات الأوان.
- لقد كانت السياسة في إسرائيل دائماً سياسة قبلية تقوم على التحريض والكراهية الطائفية والكراهية الموجهة ضد "القطاعات" الأُخرى [المقصود الوسط العربي]. ولدى صعود الليكود إلى الحكم في سنة 1977، استند التمييز بين اليسار واليمين إلى علاقتهما بالأقليات غير الصهيونية. فقد كره اليمين العرب وقَبِل بالحريديم شركاء سياسيين، بينما كره اليسار الحريديم وقبل بالعرب شركاء سياسيين، ولو بصورة جزئية ومحدودة.
- ودعم الانفصال المادي الانفصال السياسي، فتحولت القدس إلى مدينة دينية، وتل أبيب إلى مدينة علمانية، واستقطبت المستوطنات واليشوفيم الحريديم (مثل إلعاد ورامات وبيت شيمش) المتدينين القوميين والحريديم، وازدهرت الجالية العربية في الأطراف الشمالية والجنوبية. لكن الإحساس بأن ما هو "بعيد عن العين بعيد عن القلب" التي كانت تلائم الإسرائيليين في حياتهم اليومية، لم ينجح في إخفاء الواقع الديموغرافي.
- يُظهر الجدول 8.11 في الكتاب السنوي للإحصاءات السنوية الحقيقة بشأن توقعات الزيادة في الجهاز التعليمي، فنحو 46% من التلامذة في صفوف الأول الأساسي يتعلمون إمّا في مدارس حريدية، وإمّا في مدارس عربية. وبعد عشرة أعوام، من المنتظر أن يبلغ هؤلاء التلامذة سن التجنيد في الجيش، وبعدها بفترة قليلة من المنتظر دخولهم إلى سوق العمل. وإذا بقي النظام الاجتماعي على ما هو عليه: الإعفاء من الجيش والعمالة المتدنية للعرب والحريديم، فإن الجيش الإسرائيلي سيتحول من جيش الشعب إلى جيش الأقلية، والنمو الاقتصادي سينهار.
- لقد انتشرت هذه القناعة في وعي الجمهور خلال الأعوام الماضية، وظهرت في عدد من المواقف القائلة إن وضعنا الاقتصادي ممتاز لولا العرب والحريديم، كما برزت في أثناء حركة الاحتجاج الاجتماعي التي حدثت في صيف سنة 2011، والتي أخرجت مئات الآلاف إلى الشوارع احتجاجاً على غلاء أسعار الشقق السكنية وأسعار المواد الغذائية، لكن هؤلاء أرادوا أيضاً في احتجاجهم التعبير عن شعورهم بأن دولتهم تسرّبت بين أصابعهم، وهم يريدون استرجاعها.
- استوعب لبيد وبينت هذه الرسالة واقترحوا على ناخبيهم كسر الحواجز القديمة بين اليمين واليسار. وبدلاً من كراهية أقلية واحدة مثلما كان موجوداً في السياسة القديمة، أظهروا للناخبين إمكان كراهية العرب والحريديم في آن معاً. وبدلاً من مهاجمة هذه الأقليات، سواء لكونها خائنة [المقصود العرب]، أو تعيش عالة على غيرها [المقصود الحريديم]، مثلما كان سائداً في الخطاب السياسي السابق، فإن لبيد وبينت اختارا تحريضاً معتدلاً، ورفعا من أهمية الخدمة العسكرية وجعلاها قيمة عليا. وبهذه الطريقة استطاعا الفوز في الانتخابات، وشكّلا وزناً مضاداً في وجه نتنياهو.
- إن الجيش بالنسبة إلى بينت ولبيد ليس تنظيماً للدفاع عن الدولة، وإنما هو دين. ففي نقاش "المساواة في تحمّل العبء" لم تُطرح فكرة أن تجنيد آلاف الحريديم في الجيش، وفرض الخدمة الإلزامية ("الخدمة المدنية") على آلاف الحريديم والعرب سيساهم في أمن إسرائيل، فهذا ليس هو الهدف، وإنما المطلوب هو حشر الأقليات غير الصهيونية في الزاوية وإظهار جحودها.
- إن تحقيق "المساواة في تحمّل العبء" ممكن من خلال الإلغاء المتدرج للخدمة الإلزامية، وتحويل الجيش الإسرائيلي إلى جيش محترف. لكن ليس هذا هو هدف لبيد وبينت، فهما يريدان المحافظة على "العبء" كأداة لتبرير الحصول على مزيد من الحقوق الاجتماعية في مقابل الأقليات التي لا تخدم في الجيش، والتي قد تتحول من خلال وزنها الديموغرافي من أقلية إلى أغلبية.
- ومما لاشك فيه أن الزيادة الديموغرافية للعرب والحريديم، وتزايد التحريض ضدهما، سيقوّي نزعتهما الانعزالية، وابتعادهما عن التماهي مع الدولة.
- إن إسرائيل بحاجة إلى زعامة موحدة تستطيع أن تنشىء نمطاً اجتماعياً جديداً وجامعاً لا نموذجاً يقوم على التحريض والخصومات الداخلية.