استئناف المفاوضات السياسية سيتركز على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لا على الانسحاب من المناطق المحتلة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

·       تشير الدلائل كلها إلى أن الفلسطينيين سيعودون إلى إلى تصدّر جدول الأعمال الإسرائيلي على الرغم من السأم العلني للجمهور والسياسيين من "الموضوع السياسي". وبين هذه الدلائل، برز كلام رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بشأن السلام، وظهرت المطالبة بتشكيل ائتلاف حكومي قادر على استئناف المفاوضات. ويجري هذا في ظل اقتراب زيارة الرئيس باراك أوباما، وانهيار الوضع القائم والهدوء في المناطق [المحتلة]، وفي ظل خطر نشوب انتفاضة ثالثة. وبغضّ النظر عن التركيبة الائتلافية التي سيتم التوصل إليها، فإن حكومة بنيامين نتنياهو المقبلة ستبحث عن سبيل لاستئناف المفاوضات مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ذلك بأن الضغط الدولي وحالة الغليان على الأرض يدفعان في هذا الاتجاه.

·       وإذا افترضنا أن المفاوضات استؤنفت، فماذا سيكون مضمونها؟ فصيغة "المناطق في مقابل السلام" باتت بعيدة، ونتنياهو يرفض تقديم أي تنازلات جغرافية بحجة أن كل أرض تنسحب منها إسرائيل ستتحول فوراً إلى "قاعدة إرهاب إيرانية". وهو يصر على استمرار وجود الجيش الإسرائيلي على الحدود مع الأردن، وعلى السيطرة على حدود الفلسطينيين الخارجية. وعلى ما يبدو، فإن ثورات "الربيع العربي"، وخطر انهيار النظام في الأردن، يجعلان نتنياهو أكثر تمسكاً بموقفه وبضرورة عدم المخاطرة.

·       كما أن موضوع إخلاء المستوطنات لا يشكل مخرجاً سهلاً بالنسبة إلى نتنياهو، إذ إن الائتلاف الذي سيشكله سيواجه صعوبة في التحرك، وسيتمرد عليه أعضاء حزبه، ولن يُظهر الفلسطينيون حماستهم لمثل هذه الخطوة. وعلى الأرجح، فإن نتنياهو لن يتوجه في هذا الاتجاه إلاّ في حال اصطدم بإملاء أميركي لا يمكن مخالفته (مثلما حدث مع أريئيل شارون في سنة 2003، ودفعه إلى الانفصال عن غزة، وذلك استناداً إلى ما قاله مستشاره دوف فايسغلاس).

·       فإذا افترضنا أنه لن يكون هناك انسحابات ولا إخلاءات، فماذا سيبقى للتفاوض بشأنه؟ يبقى أمر واحد هو التفاوض على اعتراف إسرائيلي وأميركي بالدولة الفلسطينية التي أعلنت  في نهاية السنة الماضية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وإيجاد صيغة تسمح لكل من نتنياهو وأوباما بالتراجع عما أقدما عليه من تصويت ضد هذا الإعلان والاعتراف بفلسطين دولة مستقلة وشريكة في المفاوضات المستقبلية بشأن التسوية الدائمة، الأمر الذي يعني أن المفاوضات ستكون على كلمات، لا على مناطق [محتلة].

·       إن التفاوض على الاعتراف بفلسطين سيمنح نتنياهو فترة من الوقت ومن الهدوء، وسينقذ إسرائيل من العزلة الدولية. كما سيحظى عباس بإنجاز وتَرِكة للأجيال القادمة بأنه أول رئيس لدولة فلسطين المستقلة. وسيكون أوباما قد أثبت أنه يستحق جائزة نوبل للسلام التي مُنِحها، وسيكون في إمكان الأوروبيين أن يروا أن الأميركيين يدعمون المسار الذي رسموه. وطبعاً، سيحتجّ شركاء نتنياهو من اليمين على ذلك، لكنهم لن يقوموا بإسقاطه من الحكم.

·       إن التمعن في تصريحات نتنياهو يجعلنا ندرك أنه لا يرفض مثل هذا المسار. فمعارضته لإعلان دولة فلسطينية مستقلة في الأمم المتحدة كانت معارضة شكلية لا جوهرية، واعتراضه كان على أحادية الخطوة الفلسطينية، لا على جوهر رفع العلم الفلسطيني. وفي الأسبوع الماضي عاد نتنياهو إلى التعهدات التي قطعها في خطاب بار - إيلان، وإلى "دولتين لشعبين؛ دولة فلسطينية منزوعة السلاح؛ الاعتراف بالدولة اليهودية". وبالنسبة إليه، إذا تم التوصل إلى هذه النتائج من خلال المفاوضات وليس عبر الضغط الدولي، فإنه يستطيع أن يقول أنه حقق بذلك الوعود التي قطعها في خطاب بار - إيلان.

·       بيد أن نتنياهو سيطالب بالحصول على مقابل لموقفه من أوباما ومن عباس، فهو سيطالب بخطوة أميركية ما تجاه إيران، كما سيطالب بالحصول على موافقة فلسطينية بعدم ملاحقة إسرائيل أمام محكمة الجنايات الدولية في لاهاي. وسيصطدم نتنياهو بمطلب تجميد الاستيطان، وسيحاول تأجيله مقترحاً تجميد مطالبته بالاعتراف الفلسطيني بإسرائيل "دولة للشعب اليهودي".

·       وعلى الأرجح، فإنه سيكون صعباً على عباس رفض البحث في الاعتراف بفلسطين مع تأجيل معالجة مسألة الحدود والمناطق [المحتلة] والقدس واللاجئين. فهو سبق أن ذهب إلى الأمم المتحدة للمطالبة بدولة من دون حدود، وسيكون من الصعب عليه أن يشرح لماذا يطالب الآن بأكثر. وسيقول له نتنياهو وأوباما أنهما يلبيان طلبه.

 

·       هناك نقاط ضعف كثيرة في هذا الاقتراح، فهو لا يغير الوضع القائم على الأرض، وكل ما سيؤدي إليه هو نشوء دولة "عباستان" في بضعة جيوب معزولة محاطة بحواجز الجيش الإسرائيلي.