بعد الاستفتاء في السودان سيأتي دور فلسطين
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

·       خلال هذا الأسبوع سيتوجه نحو أربعة ملايين من سكان جنوب السودان إلى صناديق الاقتراع من أجل الاختيار بين الوحدة مع شمال السودان أو الانفصال عنه. وفي حال جرى الاستفتاء على ما يرام، فإن الأغلبية الساحقة ستقرر الانفصال، الأمر الذي سيقسم أكبر الدول الإفريقية إلى قسمين: شمال السودان الذي يبلغ عدد سكانه 35 مليون نسمة أغلبيتهم الساحقة من العرب المسلمين؛ جنوب السودان الذي يبلغ عدد سكانه 8 ملايين ونصف مليون نسمة من الأفارقة المسيحيين والأرواحيين. وتعود فكرة الاستفتاء العام إلى اتفاق السلام الذي جرى التوصل إليه في سنة 2005، والذي وضع حداً لحرب أهلية دامت زهاء ربع قرن، وحصدت أكثر من مليون ونصف مليون قتيل، معظمهم من المدنيين.

·       بيد أن طريق جنوب السودان إلى الاستقلال ما زال مزروعاً بالألغام. والأخطر هو الحاجة إلى حسم مصير منطقة إبيي الفاصلة الغنية بالنفط، والتي من المفترض أن يشارك سكانها في استفتاء منفصل جرى تأجيله. لكن على الرغم من ذلك فإن إجراء الاستفتاء هو بحد ذاته نجاح كبير، ويُعتبر أحد أهم النجاحات التي حققتها السياسة الخارجية للرئيس أوباما، التي، وحتى الآن، كانت إخفاقاتها أكثر من نجاحاتها.

·       ويشكل الاستفتاء الشعبي منعطفاً في مجال "الدبلوماسية الوقائية" التي تحاول استباق الضربة بالعلاج. فقبل عامين كان التقدير السائد أن زعيم السودان عمر البشير، الصادر في حقه في سنة 2008 مذكرة توقيف دولية بعد اتهامه بارتكاب جرائم حرب في دارفور، سيعرقل الاستفتاء بأي ثمن، وبدا أن لا مفر من تجدد الحرب الأهلية. لكن الأرباح الطائلة التي تدفقت على السودان من النفط خلال الأعوام الأخيرة، والتدخل الكثيف والمتواصل لإدارة أوباما، قلّصا من خطر تجدد الحرب الأهلية.

·       إن نجاح الدبلوماسية في السودان من شأنه أن يوجه التحركات الأميركية إلى الساحة الإسرائيلية ـ الفلسطينية، كما أن نجاح الاستفتاء الشعبي في السودان سيحث الولايات المتحدة على معالجة النزاع المحلي - بالدعوة إلى اتفاق مرحلي يتطلب إجراء استفتاء عام. وسيقوم هذا الاتفاق على المبادىء التالية: إنشاء حكم ذاتي موقت ذي صلاحيات واسعة؛ تجميد الطرفين أعمال العنف والمطالب المتعارضة؛ منع فرض وقائع جديدة على أرض هي موضع نزاع؛ إجراء استفتاء شعبي ملزم.

·       لقد جرى تطبيق هذا النموذج في كثير من الحالات: في "اتفاق بلفاست" (1998) المتعلق بمستقبل إيرلندا الشمالية؛ في جنوب أفريقيا (1992)؛ في اتحاد صربيا ـ مونتينيغرو (2003 - 2006)؛ في تيمور الشرقية. وفي حال انضم السودان إلى القائمة، فإن فلسطين ستكون هي التالية.

·       ربما لا يكون هذا النموذج مثالياً، لكنه ينطوي على مزايا مهمة: فهو يرسم أفقاً واضحاً وسريعاً لنهاية النزاع، ويقدم للطرفين الذريعة للحفاظ على الهدوء خلال الفترة الانتقالية، الأمر الذي سيسمح للمطالبين بالاستقلال ببلوغ الاستفتاء العام بسلام، ويمنح الرافضين له فترة لإقناع المقترعين المستقبليين بأنه من الأفضل لهم تحويل التسوية الموقتة إلى تسوية دائمة. كما أن هذا النموذج سيشكل قدوة جديدة للسلام. ومن الصعب على الحكام وعلى المعارضة رفض استفتاء الشعب الذي من المفترض أنهم يمثلونه. وربما يكون من الصواب، في الحالة الاسرائيلية – الفلسطينية، تحويل الاستفتاء إلى استفتاءين، والطلب من الجانب الإسرائيلي الإدلاء برأيه، مع تمكين الأقلية العربية في إسرائيل من المساهمة في حل النزاع.

·       وفي حال اختارت الولايات المتحدة والطرفان المضي في طريق الاستفتاءات الشعبية، فإن علينا ألاّ ننسى أن خطوات بناء الأمة وبناء الدولة بعضها مرتبط ببعض. فعلى الرغم من الاستفتاء، فإن المجتمع في جنوب السودان ليس شعباً، وإنما هو خليط من الطوائف الإثنية ومن اللغات والأديان، كما أن القاسم المشترك الذي يجمع هؤلاء جميعاً هو إرث الماضي والعداء لشمال السودان. لكن جنوب السودان، كدولة مستقبلية، يعتمد اقتصادياً على حقول النفط المتنازع عليها، ولذا، فإنه سيبقى مرتبطاً بجارته وخصمه الشمالي. وكي لا تتحول الدولة المارقة (السودان حالياً) إلى دولتين فاشلتين، فإن على المجتمع الدولي أن يعتبر الاستفتاء الشعبي هو بداية الطريق لا نهايتها.