حرب الصواريخ: تقييم واقع
المصدر

ملخص تنفيذي: إن حرب الصواريخ التي تهدّد إسرائيل مبالغ فيها، ومن هنا، ينبغي أن يعكس الخطاب العام في هذه القضية التقويمات الواقعية. في المرحلة الحالية، من شأن الهجمات الصاروخية أن تلحق بإسرائيل أضراراً ماديةً محدودةً فقط. أضف إلى ذلك أنه من المستبعد أن تنحصر الحملات العسكرية المستقبلية بالهجمات الصاروخية وعليه، يشكّل الزعمُ بأن "الأرض ونوع التضاريس غير هامّيْن" مغالطةً خطيرةً.

 

·       تناولت النقاشات الأخيرة حول توجيه ضربة استباقية إلى إيران تداعياتِ هكذا خطوة، ولا سيما الهجمات الصاروخية [المتوقعة] على إسرائيل. ويُعتبر التهديدُ بحرب الصواريخ البالستية نقلةً نوعيةً قادرةً على تغيير قواعد الحرب الحديثة بصورة جذرية. ومن هنا، يقول الذين يعتقدون أن المعارك التي ستشهدها منطقة الشرق الأوسط في المستقبل ستتكوّن أساساً من هجمات صاروخية على المدن الإسرائيلية، وإن على إسرائيل الاستعداد لمواجهة أوضاع كهذه. ويذهبون أبعد من ذلك في زعمهم بأن حرب الصواريخ سوف تقلل كثيراً من أهمية دور القوات البرّية، وأن العوامل الجغرافية والطبوغرافية ستصبح بالتالي أقل أهمية.

________
* الرئيس السابق لقسم التخطيط البعيد المدى لأنظمة رفائيل الدفاعية المتقدمة. وهذا المقال هو جزء من دراسة بعنوان "ساحة القتال المستقبلية: التأثير التكنولوجي على العوامل الطبوغرافية"، التي ستصدر قريباً عن مركز أبحاث بيغن - السادات.

·       ومع ذلك، ما من حرب أُستخدمت فيها الصواريخ –  بدءاً بالحرب العراقية الإيرانية[حرب الخليج الأولى عام 1980] وصولاً إلى حرب لبنان الثانية – أمكن حسمها من دون استخدام إضافي للمناورة بالقوات البرية. وبتعبير آخر، لم يكن يوماً استخدام الصواريخ عاملاً حاسماً في أي نزاع مسلح.

·       وهذه ليست مصادفة، بل هي نتيجة لمحدودية فعالية دور هذه الصواريخ التي تمنع تحوّلها إلى سلاح حاسم، وفي طليعتها عدم دقتها، حيث أن معظمها يسقط على بعد مئات الأمتار من الهدف المستهدف. وهذا يجعل احتمال الإصابة المباشرة والدقيقة ضئيلاً للغاية.[1] وتتلخص المحدودية الهامة الثانية في فيزياء الانفجار نفسه. فإن القوة التدميرية للرأس الحربي تنخفض بشكل حاد مع ازدياد المسافة الفاصلة بين الهدف المستهدف ومركز الانفجار. وهذا يدلّ على أن الضرر الفعلي محدود بصورة أكثر بكثير مما يبدو عليه ظاهر التهديد. وعلى سبيل المثال، تستطيع قنبلة جو - أرض زنتها طن واحد تدمير مبنى إذا أصابته إصابةً مباشرةً، لكنها إذا سقطت على بعد 45 متراً منه، فهي تلحق به أضراراً متوسطة، وتصبح أضرارها محدودة للغاية إذا سقطت على بعد 60 متراً منه.

·       هناك مئات [الأنواع من] الصواريخ في منطقة الشرق الأوسط. فلدى سورية على سبيل المثال ترسانة كبيرة من صواريخ أرض - أرض يصل مداها إلى بضع مئات الكيلومترات، ومعظمها قليل الدقة. ونظراً لأن الصواريخ بعيدة المدى أكثر تكلفة، فإن عدد الصواريخ التي يصل مداها إلى 1500 كم (المسافة الفاصلة بين إيران وإسرائيل)، أقل بكثير من عدد الصواريخ قصيرة المدى التي يصل مداها إلى 300 كم. أضف إلى ذلك أن قُدرات الإطلاق والقدرات اللوجستية محدودة لأن معظم الصواريخ البالستية المستخدمة في الشرق الأوسط تستخدم الوقود السائل للمحرك الصاروخي، الأمر الذي يخفّض من معدّل الإطلاق. وكما يتّضح، فإن إطلاق مئات الصواريخ البالستية دفعةً واحدة هو أمرٌ غير واقعي بكل بساطة.

·       وعلى نطاق البلد ككل – وأيضاً على مقياس مدينة بعينها- إن الأضرارَ والضحايا المتوقعة، حجماً وعدداً، جراء هكذا هجمات صاروخية، هي ضئيلةٌ. وتُظهر نظرة من الجو فوق أي بلدة أن هناك مناطق محدودة من المساحات المبنية التي تفصل فيما بينها الساحات العامة والفسحات الكثيرة. إذاً فمن المرجّح جداً أن يؤدي هجوم بعشرات الصواريخ إلى عدد صغير من الإصابات المباشرة، وأن يخلف عدداً قليلاً نسبياً من الضحايا.

·       ومع ذلك، فمن المتوقع أن يكون لمثل هذا هجوم تأثير نفسي كبير. وبالطبع، تشكّل إصابة منشأة تحتوي على مواد خطرة إصابةً مباشرةً تحدّياً جذرياً لهذه المعادلة. ويتطلب هذا السيناريو الذي ينطوي على ضرر كبير نقاشاً منفصلاً.

·       إن أطول معركة بالصواريخ في التاريخ هي التي شهدتها الحرب العالمية الثانية، من 1944 إلى 1945، بعد أن استكملت ألمانيا نصب صواريخها البالستية من طراز V2، التي يزن رأسها الحربي 980 كلغ ويبلغ مداها 320 كم. ولقد سقط معظم هذه الصواريخ على مدينتي أنتويرﭖ البلجيكية (حوالي 1660 صاروخاً) ولندن البريطانية (قرابة 1400 صاروخ). وعلى الرغم من أن هذا العدد الكبير من الصواريخ ( التي يبلغ عددها 3060 صاروخاً) تسبب بآلاف القتلى، إلاّ أن هذا لم يمنع الحلفاء من بلوغ برلين.

·       وبالاستناد إلى القدرات والمحدوديات التكنولوجية الحالية للصواريخ التي يمتلكها أعداء إسرائيل، فمن المرجح أن يبقى الوضع الراهن لحرب الصواريخ على حاله لفترة من الزمن. وإن أي محاولة لتغييره ستواجه بقيود، لا سيما الاعتبارات الاقتصادية، وما يتصل بسياسات بيع الصواريخ، بالإضافة إلى المعوّقات التنظيمية واللوجستيّة. فعلى سبيل المثال، يتكوّن مخزون سوريا الحالي أساساً من صواريخ  "سكود سي" و"سكود دي" العاملة على الوقود السائل. وحتى لو استطاعت سوريا امتلاك صواريخ أكثر تطوراً في المستقبل، فإنها ستظل عاجزة عن تبديل مجمل ترسانتها من الصواريخ في فترة وجيزة، وستظل مقيّدة على صعيد القوة الصاروخية بمزيج من التقنيات القديمة والمتطوّرة.
 

 

صواريخ الجيل القادم البالستية

·       يشكل الصاروخ الروسي [اسكندر إم] SS-26 البالستي المبتكر تغييراً جذرياً في قدرة هكذا أسلحة كهذه. إذ يتميّز بقدرته الكبيرة على المناورة منذ لحظة إطلاقه حتى آخر مراحل مسار الرمي. وفي حين أن روسيا والولايات المتحدة الأميركية تمتلكان هذا النوع من الصواريخ، لم يستطع أي بلد من بلدان منطقة الشرق الأوسط الحصول على هذا النوع من الأسلحة.

·       يتميز صاروخ SS-26 الذي أصبح عملانياً اعتباراً من 2006، بدقة تصويبه العالية التي تصل إلى 5 – 7 أمتار، وبمدى 280 كم. لكن الطراز المعدّ للتصدير [اسكندر إي] غير مجهّز برأس حربي ذكي التوجيه، وبالتالي فإن دقته تنخفض إلى 30 - 70 متراً. إن وصول الصواريخ البالستية العالية الدقة إلى ساحة الشرق الأوسط سوف يغير الوضع لأن هذه الصواريخ قادرة على تهديد المنشآت العسكرية، كالمطارات ومستودعات الجيش، بالإضافة إلى المنشآت المدنية الاستراتيجية. كما تستطيع الصواريخ البالستية العالية الدقة التأثير بصورة ملحوظة في ساحات المعارك بضربها شبكات الاتصالات، والمقرات، والجسور، وما إليه.

·       إن الردّ الأنسب على صواريخ الجيل القادم البالستية هو في مزيج من الردع، والدفاع الفعّال، والحماية السلبية. إن الردعَ هو سلاحٌ مركزيٌّ في أية مواجهة صاروخية. ومعناه أن توضح إسرائيل لكل من ينوي مهاجمتها بصواريخ بالستية أنه سيعرض بناه التحتية الحيوية للخطر الشديد. إذ تستطيع طائرة إف - 16 إسرائيلية واحدة حمل تسعة أطنان من القنابل الذكية (تسعة أضعاف الشحنة التفجيرية لصاروخ سكود). وهذا يعني أن الفاعلية التدميرية لمهمة قصف واحدة تنفذها مقاتلة منفردة مسلحة بقنابل ذكية قد أصبحت أقوى بمرات عديدة مما كانت عليه في الماضي. أما وسائل الدفاع المتاحة فهي منظومات الصواريخ الاعتراضية للصواريخ، وأنظمة التشويش وتعطيل أجهزة توجيه رؤوس الصواريخ المهاجمة، بالإضافة إلى الحماية السلبية المحسّنة للمنشآت الحساسة والمناطق السكنية.

 

خلاصة

إن التهديد الذي يجري الحديث عنه أمام الجمهور للمواجهة الصاروخية أمرٌ مبالغ فيه. وينبغي علينا أن نشرح خطر الصواريخ البالستية للجمهور بصورة واقعية. كما أن الاعتقاد بأن الأرض ونوع التضاريس لم تعد لهما أهمية في عصر الصواريخ مغالطة خطيرة. نحن لا نعرف شكل الحرب في المستقبل، في حين أن إطلاق الصواريخ على مدن إسرائيل ليس سوى أحد السيناريوهات الممكنة، لكن علينا ألا ننسى أن استخدام الصواريخ البالستية لم يكن في يوم من الأيام عاملاً حاسماً في أي نزاع مسلح.




[1]  تقاس دقة الرمي عبر "احتمال الخطأ الدائري" CEP circular error probability وهو مؤشر لاحتمال سقوط 50% من المقذوفات المهاجمة ضمن شعاع محدد. وعلى سبيل المثال، إن CEP مقداره 200 متراً يعني أن نصف الصواريخ المهاجمة مرجّحة أن تسقط ضمن شعاع 200 متراً من الهدف المستهدف.

* الرئيس السابق لقسم التخطيط البعيد المدى لأنظمة رفائيل الدفاعية المتقدمة. وهذا المقال هو جزء من دراسة بعنوان "ساحة القتال المستقبلية: التأثير التكنولوجي على العوامل الطبوغرافية"، التي ستصدر قريباً عن مركز أبحاث بيغن - السادات.