كيف تواجه إسرائيل تعاظم القوة العسكرية لحزب الله وحصوله على السلاح المتطور؟
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال، العدد 401

·       بالاستناد إلى مصادر أجنبية قامت إسرائيل بمهاجمة قافلة سلاح محملة بصواريخ أرض - جو من طراز SA-17  كانت في طريقها من سورية إلى لبنان. ويطرح هذا الهجوم عدداً من المسائل المهمة سواء على المستوى المبدئي للعقيدة الأمنية الإسرائيلية، أم على مستوى التقديرات المتعلقة بالوضع في ضوء ما يحدث في سورية ولبنان في الوقت الحالي.

·       على المستوى المبدئي: ثمة مشكلة تتعلق بتحديد متى يجب المبادرة إلى القيام بعملية وقائية رادعة ضد خطر يهدد المصالح الأمنية الأساسية لدولة إسرائيل. فقـد سـبق أن واجهت إسـرائيل في الماضي مجموعـة واسعة من التهديدات الكبرى - بدءاً من تعاظم قوة الجيش المصري بعد صفقة السلاح التشيكية وانتشاره بصورة خطرة على الحدود في أيار/ مايو 1967، مروراً بمواجهة المشروع النووي العراقي سنة 1981 وفي سورية سنة 2007، وصولاً إلى مهاجمة بواخر وقوافل السلاح المعد للفلسطينيين في السودان وفي البحر الأحمر، والاغتيالات التي استهدفت زعماء التنظيمات الإرهابية.

·       وهناك فيما يتعلق بمسألة ما إذا كان على إسرائيل التصدي إلى تعاظم قوة الخصم والتهديدات المحتملة عبر توجيه ضربة وقائية عسكرية، وجهتا نظر متعارضتان:

1.    وجهة نظر سلبية ترى أن إسرائيل غير قادرة على معالجة جميع التهديدات، لأن ذلك قد يؤدي إلى تصعيد الوضع وإلى الحرب وسيزيد من دوافع الخصم لتعزيز قوته، بينما هدف إسرائيل هو تحقيق فترات طويلة من الهدوء، ومن هنا ليس من الصواب التحرك ضد تعاظم قوة العدو والتسبب بتقليص فترات الهدوء. فما تحتاجه إسرائيل هو بناء قدرتها على الردع، أما المواجهة مع قدرات العدو والقضاء عليها فيجب أن تحدث لدى قيام هذا العدو بمهاجمة إسرائيل. ولقد كانت وجهة النظر هذه في أساس موقف المعارضين لمهاجمة المفاعل العراقي سنة 1981، والذين عارضوا القيام بعلميات ضد تعاظم قوة حزب الله بعد الإنسحاب الإسرائيلي من لبنان سنة 2000، وفي إثر حرب لبنان الثانية سنة 2006.

2.    وجهة نظر ثانية إيجابية ترى أن ثمن تجاهل التهديدات المستقبلية وتعاظم قوة العدو سيكون باهظاً جداً بالنسبة لدولة إسرائيل، وقد يهدد جوهر وجودها، ما يفرض في ظروف معينة التحرك لإزالة التهديد المفترض، حتى لو أدى ذلك إلى المجازفة بالتعرض للرد والتسبب بتصعيد الوضع.

·       خلال الأعوام العشرة الماضية شنّت دولة إسرائيل ثلاث عمليات عسكرية ضد التنظيمات الارهابية - في 2006 ضد حزب الله في لبنان، وفي 2009 و2012 ضد حركة "حماس" في قطاع غزة. ولم يكن الهدف من هذه المواجهات تحقيق نصر ساحق (مثل القضاء على حماس) إذ لم يكن ذلك من بين الأهداف العسكرية، وإنما تحقيق الهدوء في الشمال والجنوب، وتعزيز الردع الإسرائيلي. وعلى الرغم من ذلك فقد كان واضحاً في المواجهات الثلاث، أنه بعد التوصل إلى وقف اطلاق النار، كان يتوجب معالجة تعاظم قوة المنظمات الإرهابية. وكان من المفترض أن يتم ذلك من خلال آليات تترافق مع اتفاقات وقف اطلاق النار، من شأنها أن تكبح تزايد قوة العدو -ـ بالنسبة لحزب الله كان هناك قرار مجلس الأمن 1701، وبعد عملية "الرصاص المسبوك" كان هناك القرار 1860 والتعهدات المصرية والأميركية. لكن هذه الآليات فشلت فشلاً ذريعاً، وظل موضوع كيفية مواجهة تعاظم قوة العدو يشكل معضلة استراتيجية وعسكرية بالنسبة لمتخذي القرارات في إسرائيل.

·       هناك أربعة اعتبارات أساسية يجب توفرها لدى مناقشة هذه المسألة:

1.     وجود قدرة استخباراتية وعسكرية بإمكانها لجم تزايد قوة العدو. ومن دونها لا فائدة لكل الاعتبارات الأخرى.

2.     تقدير فائدة العملية الوقائية، فمن الواضح أن لا فائدة من المخاطرة بالتصعيد وبالتعرض لرد العدو إذا كان الهدف من العملية لا أهمية له. لكن مما لاشك فيه أن أسلحة غير تقليدية، ومنظومات دفاع جوي متطورة، وصواريخ بعيدة المدى، تشكل هدفاً يستوجب القضاء عليه.

3.     المقارنة بين فوائد العلمية وبين مخاطرها، إذ يجب دراسة ما إذا كانت المخاطر المترتبة عن العملية لا سيما الرد المتوقع للعدو، واحتمالات حدوث تصعيد، وكشف مصادر استخباراتية وقدرات عسكرية، تبرر الإنجاز المتوقع من العملية الوقائية. كما يجب دراسة فوائد عدم القيام بعملية وقائية ومخاطرها.

4.     يجب دراسة الاعتبارت الأخرى التي تتجاوز العملية، مثل مواقف الدول العظمى، وكيفية تأثير ذلك على الجبهات الأخرى.

·       سأحاول تطبيق هذه الاعتبارات على الغارة الإسرائيلية التي استهدفت - بالاستناد إلى مصادر أجنبية - سلاحاً متطوراً كان في طريقه إلى حزب الله:

1.     يبدو واضحاً في ضوء نتائج العملية أنه كان لدى منفذيها قدرة استخباراتية رفيعة المستوى وقدرة عسكرية قوية لدى تنفيذ الهجوم.

2.     من الواضح أن العملية منعت انتقال قدرات عسكرية متطورة كان يمكن أن تشكل تحدياً للتفوق الجوي الإسرائيلي في المواجهات المقبلة في لبنان، كان يمكن أن تعرقل طلعات التجسس الضرورية بهدف جمع المعلومات المتعلقة ببناء قوة حزب الله وتعاظمها.

3.     تقديرات ردود فعل العدو:

سورية - ليس من مصلحة نظام الأسد الرد فوراً وبقوة على الهجوم، لا سيما وأنه في خضم حرب أهلية ويخوض حرب بقاء. كما أن الجيش السوري المنشغل بصورة أساسية بالصراع الداخلي، تآكلت قدراته في مواجهة إسرائيل. فما يسعى إليه الأسد هو منع التدخل الدولي الذي سيغير موازين القوى في الصراع الدائر في سورية. لذا ليس من مصلحته فتح جبهة في مواجهة طرف قوي جداً مثل إسرائيل. ثمة اعتبار آخر هو خوف الأسد  من الحاق الضرر بعلاقته مع روسيا، إذ يعتبر نقل السلاح الروسي إلى حزب الله بمثابة خرق للتعهدات التي قدمتها سورية إلى روسيا، الحليفة الأساسية لسوريا والمدافعة عنها في مجلس الأمن والتي تقف دون حدوث تدخل دولي في المذبحة الدائرة في سورية. ولهذا السبب سارعت سورية إلى الإعلان أن الغارة استهدفت معهداً للدراسات العسكرية وليس قافلة سلاح. فالأسد لا يرغب الأسد في تعريض تحالفة المهم مع روسيا إلى الخطر، ولذا سيمتنع من التصعيد.

حزب الله - لا يملك الحزب شرعية للرد على العملية، فلا يمكنه أن يلعب دور المدافع عن سورية، ونظراً لأن الهجوم وقع على أراض سورية، فإن الشعب اللبناني لن يوافق على عملية يقوم بها الحزب تورط لبنان في قتال دفاعاً عن مصالح أجنبية. ومن المعلوم أن حزب الله يخرق بصورة منهجية ومتواصلة قرار مجلس الأمن 1701 الذي يمنع انتقال السلاح إلى لبنان. كما أنه من المنتظر أن يستخدم حزب الله كأداة عسكرية إيرانية ضد إسرائيل في حال تطورت الأزمة النووية إلى مواجهة عسكرية. بناء على هذا كله، فإن احتمالات رد حزب الله على العملية من داخل لبنان أو من خارجة ضئيلة.

·       في الخلاصة هناك نقطتان أساسيتان يجب مواصلة متابعتهما عن كثب:

النقطة الأولى هي عدم إعلان إسرائيل مسؤوليتها عن الهجوم على بطاريات الصورايخ SA-17 التي كانت في طريقها لحزب الله، وهذا ما منح سورية وحزب الله هامشاً لانكار ما حدث. لكن على الرغم من أنهما لم يردّا مباشرة ولم يصعّدا الوضع، فإنهما يحتفظان بإمكانية الرد في وقت آخر، وتصفية الحساب مع إسرائيل على جبهات بعيدة من دون أن يتحملا المسؤولية.

النقطة الثانية هي، أن تهريب السلاح، بما في ذلك السلاح النوعي الذي يشكل خرقاً للخطوط الحمر مع إسرائيل، سيتواصل وسيظل يشكل تحدياً أمام متخذي القرارات في إسرائيل. من هنا يتعين على إسرائيل مواصلة دراسة مخاطر التصعيد بتأن. كما أنه على المخططين العسكريين في إسرائيل أن يفترضوا بأن القدرات العسكرية التي لدى سورية وإيران إما أن تكون في طريقها إلى حزب الله، أو أنها باتت لديه منذ الآن.