· لا ينقص إيران المشكلات، فهي تتعرض لضغط كبير من أجل تغيير موقفها من الموضوع النووي، كما أن وضعها الاقتصادي آخذ في التدهور تحت ثقل العقوبات التي من الممكن ملاحظة تأثيرها جيداً في رجل الشارع، وكذلك في الحكم في إيران الذي بات يتخوف من أن تؤدي الضائقة الاقتصادية إلى تمرد داخلي. وعلى الرغم من أن احتمال القيام بعملية عسكرية
· [ضد المنشآت النووية في إيران] ما زال مطروحاً، فإنه جرى وضعه جانباً في الوقت الحالي.
· وخلال العام الماضي، زاد في هموم إيران القلق على مستقبل حكم الأسد، والخوف من انعكاسات انهيار هذا النظام، إذ إن سورية تُعتبر حليفة إيران الوحيدة، كما أن الدولتين تتشاركان في صراعهما ضد إسرائيل، وضد التدخل الأميركي في الشرق الأوسط، وفي السعي لخلق شرق أوسط راديكالي. علاوة على ذلك، فإن الدولتين هما على رأس قائمة الدول التي تستخدم الإرهاب وتدعم حزب الله بالسلاح والمال. فإيران هي التي أنشأت حزب الله الذي يرتبط بها ارتباطاً وثيقاً، بينما تشكّل سورية حلقة الوصل الأساسية بينهما. وقد استعانت إيران بسورية من أجل جعل لبنان بقيادة حزب الله جبهة أمامية في مواجهة إسرائيل. ولا عجب، والحال هذه، في أن يكون التحالف بين سورية وإيران هو الأكثر استمرارية بين دول الشرق الأوسط منذ أكثر من 30 عاماً.
· لكن هذا كله قد ينهار ويوجه ضربة استراتيجية لإيران. وفي الواقع، فإن حدوث ذلك ليس مؤكداً، إذ ربما يصمد نظام الأسد، وذلك خلافاً لجميع التوقعات، كما أن من المحتمل أن يبقى هذا النظام بعد رحيل الأسد والمقربين منه، وذلك ضمن إطار تسوية بينه وبين أخصامه. ومن المحتمل أيضاً أن تدبّ الفوضى في سورية، وأن تقوم إيران باستغلالها من أجل التواصل مع التنظيمات المتنوعة الموجودة في سورية، وذلك بواسطة تقديم المال والسلاح، مثلما فعلت في العراق. لكن حتى في حال حدوث مثل هذه السيناريوهات، فإن التحالف بين إيران وسورية لن يعود إلى ما كان عليه سابقاً. أمّا أسوأ السيناريوهات بالنسبة إلى إيران فهو قيام نظام جديد محل نظام الأسد يبني علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة والغرب في مقابل الحصول على المساعدة الاقتصادية، ويبتعد عن إيران ويقطع الاتصال القائم بين إيران وحزب الله في لبنان، فضلاً عن أن سقوط نظام الأسد قد يشجع مجدداً المعارضة في إيران النائمة منذ سنة 2009.
· لهذه الأسباب تبذل إيران كل ما في وسعها لمساعدة نظام الأسد. فقد نقلت إلى سورية مئات العناصر من الحرس الثوري الذين يساهمون في التخطيط للمعركة ضد المعارضين للنظام، وفي عمليات التوجيه والتدريب، مستندين في ذلك إلى الخبرة التي حصلوا عليها في قمع المعارضة الإيرانية في سنة 2009. لكن في أعقاب إلقاء المعارضة السورية القبض على عدد من هؤلاء، اضطرت قيادة الحرس الثوري إلى الاعتراف علناً بإرسال ضباط كبار من رجالها إلى سورية لتقديم استشارات "غير عسكرية". وتقوم إيران بتشكيل ميليشيا مسلحة شيعية وعلوية تدعم النظام، كما أنها أرسلت إلى سورية أجهزة للتشويش على قنوات الإعلام والإنترنت والبريد الإلكتروني والهواتف الخليوية التي تستخدمها المعارضة. وتقدم إيران إلى الأسد أيضاً مساعدة ماليه كبيرة لمواجهة الأزمة الاقتصادية، وتساعده في التهرب من العقوبات المفروضة عليه، ولا سيما في تصدير النفط. لكن على الرغم من هذه الجهود، فإن ثمة حدوداً لقدرة إيران على مساعدة الأسد، فهي لا تستطيع القتال بدلاً منه، وعلى ما يبدو، فإن الوحدات التي أرسلتها لا تقوم بمهمات قتالية. وفي جميع الأحوال، فإن النظام الإيراني لا يملك خبرة في الدخول في حرب مع معارضة مسلحة مثل تلك الموجودة في سورية. وفي نهاية الأمر، فإن ما سيحسم مصير النظام ليس المساعدة الإيرانية، وإنما تصميم النظام وقدراته في المواجهة مقابل تصميم المعارضة وقدراتها.
· في ظل ما سبق، فإن الهجوم الأخير على قافلة السلاح التي كانت في طريقها إلى حزب الله هو تحدٍّ موجّه أيضاً ضد إيران. وممّا لا شك فيه أن الإيرانيين وجدوا أنفسهم في وضع غير مريح عندما هاجمت إسرائيل، استناداً إلى المصادر الأجنبية، حليفيها الأساسيين، من دون الردّ على الهجوم، لأن ذلك قد يُعتبر علامة ضعف، ويمكن أن يشجّع إسرائيل على مهاجمة المنشآت النووية في إيران.
· من المهم بالنسبة إلى إيران وإلى سورية ردع إسرائيل عن القيام بهجوم جديد مشابه لما حدث على سورية أو لبنان. وعلى الرغم من ذلك، فإن من المحتمل ألاّ تقوم إيران بخطوة عسكرية ضد إسرائيل، ليس لكونها لا تشكل طرفاً مباشراً في الموضوع، وإنما بصورة أساسية لأن ذلك قد يقدم إلى إسرائيل ذريعة حقيقية لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية.