· ينبغي أن يكون المرء أعمى أو غبياً حتى لا يرى صلة وثيقة بين قيام صحيفة يونانية بتسريب نبأ حول محاولة جهات إسرائيلية بيع إيران معدات عسكرية وبدء المفاوضات في العاصمة النمساوية فيينا بشأن الاتفاق النهائي المتعلق بتجريد إيران من القدرة العسكرية النووية. وعلى ما يبدو، فإن يداً خفية حاولت قبل بدء المفاوضات، أن توجّه صفعة إلى إسرائيل على هيئة تحذير فحواه: "لا تتدخلي ولا تزعجي".
· إن الكشف عن قضية عمرها أكثر من عام وذات أبعاد أعمق مما تم عرضه في الصحيفة اليونانية، يدل على أن ثمة جهات قلقة جداً من احتمال أن تفسد إسرائيل المفاوضات النووية مع إيران.
· ويعود سبب هذا القلق إلى إصرار رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على معارضة هذه المفاوضات والاستمرار في التحذير من مغبة الوقوع في فخ الخداع الإيراني.
· وانعكس ذلك في التصريحات التي أدلى بها نتنياهو في الفترة القريبة الفائتة وكان آخرها بموازاة افتتاح المفاوضات أكد فيها أن النظام الإيراني لم يغيّر طابعه الوحشي وعلى العالم أن يدرك ذلك. كما أشار إلى أن إيران تموّل مرتكبي المجازر في سورية وتقوم بتزويدهم الأسلحة والإرشادات.
· يجوز لنا أن نفترض أن أصدقاء إسرائيل في البيت الأبيض يصغون إلى الحملة الدعائية التي جدّدها نتنياهو في الأسابيع الأخيرة في كل ما يتعلق بالموضوع الإيراني. وما يقلقهم على نحو خاص إمكان أن تقوم إسرائيل بتزويد أعضاء مجلس النواب الأميركي بمعلومات محدثـة عما يجري في البرنامج النووي الإيراني تؤدي بهم إلى خوض مواجهة أخرى مع البيت الأبيض.
· إذا ما تبين أن أصدقاءنا الأميركيين هم الذين سربوا هذا النبأ، يجب أن نعترف أنهم كانوا متواضعين هذه المرة واكتفوا بصحيفة يونانية لا بصحيفة "نيويورك تايمز" التي باتت الأداة التي يفضلونها للكشف عن نشاط سلاح الجو الإسرائيلي في سورية.
· وبالنسبة إلى المفاوضات النووية نفسها التي من المفترض أن تستمر بين ستة أشهر إلى عام وتهدف إلى كبح البرنامج النووي الإيراني العسكري وتطبيع علاقات إيران مع الغرب، يمكن القول إن التغطية الإعلامية الكبيرة التي تحظى بها لا تعني أنها ستسفر قريباً عن نتيجة جوهرية لأن المرحلة الحالية هي مرحلة محاولة كسب الوقت. ويبدو أنه لن يحدث أي شيء دراماتيكي حتى أيار/ مايو المقبل. لكن آنذاك، ستبدأ الدراما الحقيقية لأنه يجب اتخاذ القرار بشأن إطالة أمد الاتفاق المرحلي الذي وُقّع في جنيف في تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت نصف عام آخر.
· وبرأينا سيغدو واضحاً حتى ذلك الوقت أن الاتفاق النهائي ليس خياراً واقعياً، فالإيرانيون لا ينوون التخلي عن مفاعل البلوتونيوم أو إغلاق المنشآت الموجودة تحت الأرض. ولذا من المتوقع أن تُوجّه كل الجهود نحو صياغة اتفاق موقت بعيد المدى يتيح للجميع إمكان الاستمرار في التظاهر بوجود إنجاز ما، والأهم انه يتيح إمكان عدم العودة إلى المربّع الأول، مربّع الخيار العسكري.
· في ضوء ذلك يجب حتى ذلك الوقت إخراس الضفدع التي تواصل النقيق في أطراف المستنقع وهي إسرائيل. صحيح أن الأميركيين يبلغون إسرائيل آخر المستجدات ويتبادلون المعلومات معها بل إنهم في حالات معينة يطلبون مشورتها أيضاً، لكنهم لا ينسون أن يصفعوها هنا وهناك وأن يذكروها بمكانتها في النظام العالمي الجديد، على الأقل حتى نهاية ولاية الرئيس باراك أوباما.