كيف تحل مشكلة الصلاحيات والمسؤوليات في إدارة الجبهة الداخلية
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال

 

  • في إطار نقاشات المؤتمر السنوي السادس لمعهد دراسات الأمن القومي حول جهوزية الجبهة الداخلية (في 25/7/2013)، برزت مسألة عدم وجود تعريف معياري واضح لصلاحيات ومسؤوليات إدارة الجبهة الداخلية. وعُرضت هذه العقبة بكامل حدتها قبل سبع سنوات إثر انكشاف تقصير الجبهة الداخلية في حرب لبنان الثانية [2006]. ونوقشت المسألة مراراً وتكراراً في المنتديات واللجان المختلفة التي اقترحت حلولاً متعددة شكلت أساساً لمشاريع قوانين الجبهة الخلفية نوقشت في السنوات الأخيرة.
  • لكن القضية لا تزال تواجه فراغاً تشريعياً، ولذا شكلت محور سلسلة من التقارير الحادة اللهجة صدرت عن مراقب الدولة (آخرها في تموز/يوليو 2013)، وستتم مناقشتها قريباً مع رئيس الحكومة.
  • ويكمن جذر المشكلة في أنه خلافاً لإدارة الجبهة العسكرية التي تمتاز بوضوح معياري في كل ما يتعلق بمسألة الصلاحيات والمسؤوليات وبقيادة هرمية واضحة تسمح بتفعيل ملائم ومنسّق للمؤسسة العسكرية في مواجهة التحديات الخطيرة، فإنه لا يوجد على الجبهة المدنية التي هي أكثر تعقيداً بكثير وتواجه تهديدات صعبة ومعقدة، تنظيمٌ فعلي للأمور، مما يجعل جميع القرارات المتعلقة بمسألة الصلاحيات والمسؤوليات عن الجبهة الخلفية أشبه بخليط غير واضح المعالم (وقد يزعم ساخرون أن التعمية مقصودة). كما أن هذه القرارات تترافق بتوتر دائم يتجاوز ما هو سائد بين الأجهزة البيروقراطية المتعددة. ويعوق هذا التوتر إدارة الاستعداد لحالة الطوارئ وإدارة الأزمات الناشئة.
  • ويعود أساس المسألة إلى أن التحدي على الجبهة الداخلية يطال المدنيين والمؤسسات المدنية. وعليه، فهو يستوجب حلولاً مدنية في طبيعتها. لكن هناك ميلاً سائداً في إسرائيل للافتراض، أن المؤسسة العسكرية والأمنية والجيش الإسرائيلي كفيلون بتقديم الردّ النهائي على التحديات التي مصدرها العدو الخارجي. ويجسّد واقع السنوات الماضية هذا الميل بصورة ملموسة، وتحديداً منذ تأسيس "قيادة الجبهة الداخلية" (في العام 1992 وفق قاعدة "الدفاع المدني" التقليدي). وهذه القيادة عبارة عن جهاز قوي متطور مشهود بمهنيته العالية يخضع مباشرة للجيش الإسرائيلي. 
  • غير أن مواجهة التهديدات المتفاقمة والمتشابكة على الجبهة المدنية تتطلب رداً متكاملاً ومنسقاً لجهات وهيئات عديدة في معظمها مدنية: جهات حكومية، وبلدية، وهيئات من القطاع الاقتصادي، والصناعي، والتجاري، والتطوعي. وهنا يطرح سؤال مبدئي وعملي هو في غاية الأهمية: هل من المناسب والمفيد أن يحدد الجيش الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية الأولويات؟ وبأي قدر؟ وهل يجوز أن يخططا للردود ويوجّها الهيئات المدنية ذات الاحتياجات المدنية الجلية؟ وكذلك أن يقررا كيفية التنظيم والاستعداد والعمل في حالات الطوارئ؟
  • وزاد هذا السؤال تعقيداً في السنوات الأخيرة، ولا سيما بعد تشكيل "هيئة الطوارئ القومية" (2007)، ثم لاحقاً وزارة حماية الجبهة الداخلية (2011)، وهما خاضعتان من الناحية الإدارية والعملية لوصاية وزارة الدفاع الإسرائيلية.
  • وفي الواقع، هناك اليوم ثلاثة خيارات لتسوية أوضاع إدارة الجبهة الداخلية:
  • أولاً - مقاربة المؤسسة العسكرية والأمنية المعنية أساساً بالمحافظة على الوضع الراهن، ومفادها أن وزير الدفاع هو العنصر الرئيسي الذي يقف على رأس هرم الجبهة المدنية، وأن قيادة الجبهة الداخلية هي الجهة النافذة والموجهة في كل ما يتعلق بالاستعداد لحالة الطوارئ ومواجهة التهديدات.
  • وتطرح هذه المقاربة ترتيباً قابلاً للتنفيذ لأنه يوفر إطاراً للتعاون المعقول بين الجهات المتعددة من خلال الاعتماد على القوة الراسخة للمؤسسة العسكرية والأمنية، ولا سيما أن المقصود هو مواجهة تهديد أمني في أساسه.
  • ثانياً - مقاربة "هيئة أركان الأمن القومي" [ما كان يعرف بـ"مجلس الأمن القومي" حتى العام 2008]، المكلَّفة بتقديم المقترحات إلى الحكومة، وأوصت بتغيير الوضع المعياري والتنظيمي من أساسه وبمصادرة حق الأولوية من وزارة الدفاع ونقله إلى وزارة الأمن الداخلي.
  • ومسوّغ هذا الاقتراح النابع من توصيات سابقة للهيئة المذكورة، أنه ينبغي تحرير وزارة الدفاع من عبء الجبهة الداخلية بحيث تركز جهودها على المعركة الهجومية والدفاعية في الجبهة العسكرية.
  • ثالثاً - مقاربة "وزارة حماية الجبهة الداخلية" التي تقول إن مسألة الصلاحيات والمسؤوليات هي علة وجود هذه الوزارة التي مهمتها الحصرية حماية الجبهة الداخلية، وهي تستطيع تحديد الصلاحيات الناظمة، وأن تأخذ على عاتقها رسم السياسة الوطنية وتحديد سلم أولويات الاستثمار الشامل في كل ما يتعلق بالجبهة المدنية.
  • ووفق هذه المقاربة لا ينبغي أن تقوم "وزارة حماية الجبهة الداخلية" مقام "آمر" أو مسيّر الجهات الأخرى، ولكنها تحدد المعايير التي تعمل بموجبها الجهات المتعددة في إطار الاستعداد لحالة الطوارئ بناءً على سيناريو التهديد الذي تحدده الوزارة.
  • وهكذا تكون "وزارة حماية الجبهة الداخلية" مسؤولة عن تنسيق عمل الأجهزة والجهات المتعددة، وعن تعزيز التعاون والتنسيق بينها.
  • إن النقاش بين المقاربات المختلفة محتدم الآن، وهناك شك في إمكانية وضع حد له حتى لو اتخذ قرار واضح بشأن هذه القضية المركزية في الفترة القادمة.