"حماس": ماذا بعد عزل مرسي؟
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

 

  • في أعقاب ثورة [25 يناير] 2011 التي أسقطت الحاكم الاستبدادي حسني مبارك، صعدت جماعة الإخوان المسلمين في مصر إلى السلطة وبرزت على الساحة الدولية. ومن هنا، فُتح المجال واسعاً أمام حركة حماس أيضاً. فقبل سقوط حكم مبارك، كانت مكانة حركة حماس الإقليمية والدولية متدنية على الرغم من انتصارها في الانتخابات التشريعية الفلسطينية في العام 2006. وعانت الحركة أكثر بعد سيطرتها على قطاع غزة في العام 2007، فخسرت المزيد من الدعم الإقليمي، وأصبحت تعتمد بصورة متزايدة على سورية وإيران.
  • بيد أن اليقظة العربية أتاحت للحركة فرصة تغيير وضعها وذلك في ضوء صعود الإسلام السياسي في كل من مصر القريبة وتونس، واحتضان الغرب المكاسب الانتخابية لجماعة الإخوان المسلمين في مصر التي تربطها بحركة حماس علاقات تاريخية ضاربة في العمق. ومنح هذان العاملان الحركة فرصة من أجل تعزيز تحالفها مع القوى الصاعدة مثل قطر ومصر فتحسّنت مكانتها الدولية.
  • لكن التطورات الإقليمية الأخيرة ولا سيما انهيار حكومة مرسي في مصر، تهدّد بحدوث مسار عكسي للتحسّن المؤقت في مكانة حماس وعلاقتها مع الدولة المصرية.
  • لقد تفاءلت حركة حماس بإمكانية أن تجلب التغيرات التي اجتاحت العالم العربي، المزيد من المشروعية الإقليمية والدولية المطلوبة لهذه الحركة. وعليه، أجرت الحركة خلال العامين المنصرمين عملية إعادة تموضع حذرة نتيجة هذه التغيرات الإقليمية، فقامت أولاً بتقليص تحالفها التاريخي مع نظام الأسد في سورية من خلال رفضها الانحياز إلى صفه بعدما اندلعت الاحتجاجات المناهضة له داخل البلاد، ثم من خلال نقل مقر مكتبها السياسي من دمشق من دون إحداث جلبة.
  • ثانياً، سعت حماس جاهدة إلى تعزيز أواصر العلاقات مع مصر ما بعد مبارك، معتبرة أن صعود جماعة الإخوان فأل خير بالنسبة لها، ولا سيما في ظل العلاقات الأيديولوجية والشخصية والسياسية بين حركة حماس وقادتهم. فقام زعماء الحركة الذين يقيمون في قطاع غزة بزيارات منتظمة إلى القاهرة، وانتقل موسى أبو مرزوق نائب [رئيس المكتب السياسي خالد] مشعل، من دمشق إلى العاصمة المصرية.
  • وهكذا، بعد هذا الاصطفاف الاستراتيجي، تحسن موقع حماس ومكانتها على الصعيد الإقليمي بصورة جذرية.
  • لكن بعض التطورات الإقليمية الحاصلة تهدد من جديد موقع الحركة ومكانتها. أولاً وقبل كل شيء، فإن عزل الرئيس المصري محمد مرسي في مطلع هذا الشهر وخسارة جماعة الإخوان موقعهم في السلطة، يهددان بمسار عكسي للعلاقات بين الحركة والدولة المصرية.
  • وبالفعل، فمنذ عزل [الرئيس محمد] مرسي، تأججت المشاعر المعادية لحركة حماس في وسائل الإعلام المصرية وداخل الجيش المصري، واتهم قائد الجيش الثالث الميداني حركةَ حماس بإرسال صواريخ غراد من قطاع غزة إلى الإخوان في مصر. وأصدر الجيش المصري تعليمات بتشديد الرقابة على الحدود مع قطاع غزة وشن حملة هدم للأنفاق بين قطاع غزة وسيناء. وأدت هذه التطورات إلى زيادة عزلة القطاع ملحقة أضراراً بسكانه وبحكومة حماس. وكشف وزير الاقتصاد الوطني في حكومة حماس علاء الدين الرفاتي في 21 تموز/ يوليو الحالي، أن اقتصاد غزة خسر نحو 230 مليون دولار جراء إغلاق الأنفاق منذ بداية الانتفاضة ضد مرسي. والأهم من ذلك، أن إغلاق الأنفاق أفضى إلى خسارة في عائدات الأموال والأسلحة بالنسبة لكتائب القسام التي تستفيد من جباية الضرائب المفروضة على اقتصاد الأنفاق، هي ومجمل حركة حماس.
  • علاوة على ذلك، فإن سقوط جماعة الإخوان مؤداه زيادة عزلة حركة حماس على الصعيد الإقليمي. وقد يؤثر قرار نقل السلطة من أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى ابنه ولي العهد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في الاستثمارات التي تقوم بها قطر، هذه الإمارة الصغيرة، في قطاع غزة وفي الدعم الذي كانت تلقاه حركة حماس تحديداً، إذا قرر الحاكم القطري الجديد أن دعم الحركة لم يعد في مصلحة دولة قطر.
  • ويبدو أن الفترة الانتقالية تدل على انحسار في السياسية الخارجية القطرية، أو الابتعاد بعض الشيء على الأقل عن الدعم العلني للأحزاب الإسلامية في المنطقة.
  • ولمواجهة هذه التطورات، بدأت حركة حماس بإعادة تنظيم شؤونها والتفكير جدياً في مستقبلها التنظيمي. وفي حين أن بعض قادة الحركة مثل عضو القيادة في قطاع غزة محمود الزهار، يشددون على ضرورة الحفاظ على علاقات طيبة مع إيران، إلا أنه من المستبعد أن تعود العلاقات بين الحركة وطهران أو دمشق إلى ما كانت عليه قبل العام 2011.
  • بدلاً من ذلك، فإن وضع حركة حماس مضعضع حالياً، إذ ليس لديها أي حليف إقليمي بارز (ما عدا علاقات واهنة مع إيران). وزاد الأمور تعقيداً إعلان قرب معاودة مفاوضات السلام الإسرائيلية - الفلسطينية التي قد تزيد شعور الحركة بالتهميش.
  • ولا يخفف وطأة هذا الشعور سوى ضعف احتمال أن تؤدي هذه المفاوضات إلى نتائج ملموسة على الأرض.
  • وبالنظر إلى الوضع الحالي، تعمل حركة حماس وفق نمط إدارة الأزمات، جاهدة لكبح التصعيد سواء مع الحكومة المصرية الجديدة أو مع إسرائيل، من أجل الحفاظ على قوتها وسيطرتها على قطاع غزة.
  • وعلى هذا النحو، من المرجح أن تسعى الحركة التي تعاني من العزلة، إلى الحفاظ في المرحلة المقبلة على التهدئة على طول حدود قطاع غزة. لكن لا يجوز تجاهل إمكانية اندلاع جولات عنف إذا هدّدت عزلة الحركة قدرتها على السيطرة على القطاع.