· في الوقت الذي امتلأت وسائل الإعلام بالتقارير الأجنبية التي تحدثت عن هجوم إسرائيلي استهدف قافلة محملة بالسلاح المتطور كانت في طريقها من سورية إلى لبنان، اختارت السلطات الرسمية في القدس المحافظة على حقها في الصمت. وفي الواقع، فإن السوريين، تحديداً، هم الذين اعترفوا بالهجوم، وادّعوا أنه استهدف مركزاً للبحوث العلمية بالقرب من دمشق، وأن لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بأسلحة متطورة كانت في طريقها إلى حزب الله في لبنان. وللتذكير، فإن السوريين سبق أن تصرفوا بالطريقة عينها قبل ستة أعوام في إثر الهجوم على المفاعل الذري الذي أقاموه في شمال سورية، إذ تحدثوا، آنذاك، عن الهجوم الإسرائيلي، وادّعوا أنه استهدف مبنى مهجوراً، وليس مفاعلاً ذرّياً.
· وعلى الرغم من اعتراف دمشق، فإنه ليس واضحاً أي من الطرفين له مصلحة في تصعيد الوضع المتوتر في الشمال، وفتح جبهة جديدة. ففي آخر الأمر، فإن بشار الأسد ونصرالله غارقان حتى رأسيهما في مواجهة أكثر أهمية تدور على الجبهة الداخلية السورية حيث يخوض بشار الأسد، بمساعدة حسن نصر الله، معركة حياة أو موت ضد أعدائه.
· ويمكن القول إن العملية الإسرائيلية التي استهدفت، استناداً إلى المصادر الأجنبية، قافلة محملة بالسلاح المتطور، وكانت في طريقها من سورية إلى حزب الله - وليس مهماً في هذه اللحظة المكان الذي وقعت فيه بالتحديد، هل هو بالقرب من دمشق أو بالقرب من الحدود السورية ـ اللبنانية – كانت أقل من اللازم ومتأخرة أكثر من اللازم. إذ منذ حرب لبنان الثانية [حرب تموز / يوليو 2006]، عبرت من سورية إلى لبنان، وتحت أنظار إسرائيل، عشرات آلاف الصواريخ المتطورة التي ساهمت في تعزيز قوة حزب الله. واعتاد المسؤولون الإسرائيليون بين الفينة والفينة التهديد بأن إسرائيل ستتحرك من أجل منع السوريين من نقل سلاحهم المتطور إلى الحزب، لكن إسرائيل في الواقع، امتنعت من القيام بأي شيء، الأمر الذي أدى الى انهيار قوتها الرادعة كلياً في هذه المسألة.
· لكن يبدو أن ما حدث هذه المرة شكل خرقاً للخطوط الحمر التي وضعتها إسرائيل. أولاً، لأن المقصود هنا هو سلاح متطور، أو سلاح "يكسر التوازن"؛ ثانياً، لأن من الواضح أن الخطوة التالية لسورية وحزب الله ستكون نقل الأسلحة الكيميائية من دمشق إلى بيروت - بمبادرة من الأسد أو غصباً عن إرادته. ولذا، كان من المهم [بالنسبة إلى إسرائيل] أن ترسم منذ الآن خطاً أحمر رادعاً يجب عدم تجاوزه. وفي حال كان هذا هو الوضع، فإن الخطوة الإسرائيلية [الهجوم الجوي] كانت ضرورية ولو أنها أتت متأخرة.
· لقد استغلت القدس ضعف بشار الأسد وغرقه في حرب داخلية سورية جعلت إسرائيل آخر شيء يمكن أن يهتم به. ويمكن القول إن وقوع مثل هذا الهجوم الإسرائيلي المحدود، أكان هذا صحيحاً أم لا، لن يقدم ولن يؤخر شيئاً بالنسبة إلى الأسد، ولذا، فإن أفضل موقف يمكن أن يتخذه هو تجاهل التقارير الإعلامية بشان الهجوم الإسرائيلي، ومواصلة حربه الحقيقية ضد الثوار.
· أمّا بالنسبة إلى حزب الله، فالموضوع أكثر تعقيداً، لأن الحزب يخوض منذ أعوام حرباً سرية ضد إسرائيل، وهو في إطار هذه الحرب لم يعلن مسؤوليته عن هجمات إرهابية حدثت ضد أهداف إسرائيلية في مختلف أنحاء العالم، كما أن إسرائيل لم تتحمل قط المسؤولية عن اغتيال القائد العسكري للحزب، عماد مغنية، قبل بضعة أعوام في دمشق. فالأمر الأساسي بالنسبة إلى الطرفين هو المحافظة على استمرار الهدوء على الحدود بين لبنان وإسرائيل. غير أن القبول بالإملاء الإسرائيلي القاضي برفض انتقال السلاح المتطور من سورية إلى لبنان سيكون أمراً صعباً لا يستطيع حزب الله تحمّله.