معاودة المفاوضات مع الفلسطينيين بين الحقيقة والسراب
تاريخ المقال
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي
–
مباط عال
معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- أعلن وزير الخارجية الأميركي جون كيري في مؤتمر صحافي عقده في عمان في 19 تموز/يوليو الجاري، أن إسرائيل والفلسطينيين توصلا إلى اتفاق على مبادئ معاودة المفاوضات بشأن الحل الدائم، وأنه اتُفق على عقد اجتماع تحضيري في واشنطن خلال أسبوع يحضره وزير الخارجية الأميركي إلى جانب صائب عريقات عن الجانب الفلسطيني والوزيرة تسيبي ليفني وإسحاق مولخو ممثل رئيس الحكومة عن الجانب الإسرائيلي. وسيجري خلال هذا الاجتماع الاتفاق على جدول الأعمال والخطوط العامة للمفاوضات.
- نجح وزير الخارجية الأميركي جون كيري في ردم الثغرات والتغلب على الشروط التي وضعها الطرفان لبدء المفاوضات، كما تغلب على عجز الجانبين عن الاتفاق على مبادئ تلك المفاوضات من خلال توازن دقيق في أربعة مجالات:
- مسألة إجراء المفاوضات على أساس خطوط 1967 مع تبادل متفق عليه للأراضي: إذ على الرغم من عدم موافقة الجانب الإسرائيلي على ذلك، فقد تعهدت الولايات المتحدة للجانب الفلسطيني بأنها تتبنى هذا المبدأ.
- المجال الثاني الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل دولة يهودية: جرى التوصل إلى اتفاق مشابه. إذ على الرغم من عدم موافقة الجانب الفلسطيني على ذلك، فقد تعهدت الولايات المتحدة لإسرائيل تبنيها لهذا المبدأ، وبهذه الطريقة توازن موقف واشنطن مع التعهد السابق الذي قطعته للفلسطينيين.
- بالنسبة لقضية تجميد الاستيطان: ليس هناك موافقة إسرائيلية على تجميد البناء في المستوطنات، لكن هناك تفاهماً بين كيري والإسرائيليين بأنه سيعمل للسماح بالبناء في الكتل الاستيطانية. وعملياً، هناك تجميد صامت للبناء الحكومي في المستوطنات كلها بما في ذلك أحياء القدس الواقعة وراء الخط الأخضر.
- في ما يتعلق بقضية إطلاق المعتقلين: استجابت إسرائيل لطلب الفلسطينيين إطلاق المعتقلين المحكوم عليهم بالسجن لمدة طويلة قبل بداية عملية أوسلو، وجميعهم من الذين "أيديهم ملطخة بالدماء"، مع استثناء للذين يحملون الجنسية الإسرائيلية. واستناداً إلى مصادر إسرائيلية، فإن هؤلاء 82 معتقلاً، في حين تتحدث المصادر الفلسطينية عن 250.
- ثمة اتفاق على استمرار المفاوضات تسعة أشهر على الأقل من دون تعهد الجانبين بتحديد موعد ملزم لإنهائها. ووافق الجانبان على الامتناع عن القيام بخطوات أحادية خلال المفاوضات، ومعنى ذلك أن الفلسطينيين سيمتنعون عن استخدام اعتراف الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية من أجل اتخاذ خطوات أحادية الجانب والتوجه نحو المؤسسات الدولية خلال هذه الفترة. كما اتفق كيري مع الفلسطينيين على أن تتمحور المفاوضات في المرحلة الأولى حول مسألتي الحدود والأمن. وليس من الواضح ما إذا كانت إسرائيل تنازلت عن مطالبتها إجراء مفاوضات على جميع المسائل.
- لكن الشيطان يكمن في التفاصيل، لذا يجب أن نأخذ في حسابنا عدم وجود اتفاق كامل على معاودة المفاوضات، وأن هذا الأمر مرتبط بنجاح المحادثات التمهيدية للمفاوضات التي ستجري في واشنطن. وفي الحقيقة ثمة عوائق كثيرة لا تزال موجودة مثل الاتفاق على جدول أعمال المفاوضات والطلب الفسلطيني بأن تشكل مبادرة السلام العربية أساساً لها.
- إن السبب في معاودة المفاوضات الآن يعود إلى ان الجانبين ليسا مستعدين لتحمل اتهام الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لأي منهما بإفشال هذه العملية، واضطرارهما إلى دفع الثمن. ومن المحتمل أن يكون من بين الأسباب التي أثرت في الجانب الإسرائيلي قرار الاتحاد الأوروبي مقاطعة المستوطنات. وفي الحقيقة على عكس ما يقوله الناطقون باسم الحكومة الإسرائيلية، فإن قرار الاتحاد الأوروبي ساهم في معاودة المفاوضات لا في إفشالها.
- أما بالنسبة للجانب الفلسطيني فقد تأثر بتهديد الولايات المتحدة بخفض دعمها المالي للسلطة الفلسطينية إذا بقيت على موقفها الرافض لمعاودة المفاوضات، وبالدعم القوي الذي منحته الجامعة العربية لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، مما يعني إعطاءه مظلة إقليمية للخطوات التي سيتخذها.
- في تقدير الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني أن الثغرات في مواقفهما لا تزال كبيرة جداً، لذا لا أمل في نظر كل منهما بالحصول على موافقة الطرف الآخر على شروطه الدنيا. وعملياً انجرا إلى الدخول في مفاوضات لا يؤمنان بها.
- وعلى الرغم من ذلك، فإن تحديد فترة التسعة أشهر يمكن أن يساهم في تحريك الجانبين، ولا سيما الجانب الإسرائيلي، نحو إجراء مفاوضات من أجل المفاوضات، وليس من أجل التوصل إلى اتفاق، وذلك لأن الجانب الفلسطيني تعهد بعدم التهديد بتفجير المفاوضات.
- في هذه المرحلة، لا يهدد الاتفاق على مبادئ المفاوضات خطراً على استقرار الحكومة الإسرائيلية، إذ لا ينوي الجناح اليميني في الحكومة الذي يمثله حزب البيت اليهودي الاستقالة من الائتلاف، لأن زعماء الحزب يعتقدون ان هذه المفاوضات لن تتوصل إلى اتفاق.
- لكن من المحتمل نشوء أزمات حكومية سببها التنازلات في المواقف الإسرائيلية خلال المفاوضات، حتى قبل التوصل إلى اتفاق. وعلى الرغم من ذلك، فإن هذا لن يهدد بقاء حكومة نتنياهو لأن أحزاب المعارضة تدعمها من الخارج، ومن المحتمل انضمام حزب العمل إلى الحكومة في حال خروج حزب البيت اليهودي. كما أن المعارضة اليمينية داخل حزب الليكود ليست قادرة على التحرك ضد نتنياهو لأنه ليس لديها بديل عن نتنياهو. وستكون نتيجة هذا كله ضغوط سياسية جدية على حرية تحرك نتنياهو.
- من جهة أخرى لن يقبل المجتمع الدولي بما في ذلك الولايات المتحدة، ادعاء الجانب الإسرائيلي أنه غير قادر على اجراء مفاوضات جدية ومرنة لاعتبارات سياسية داخلية.