المصالح تغلبت على العواطف في المفاوضات بين إسرائيل وتركيا بشأن معاودة العلاقات
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

·      يوجد فارق يقدر بنحو عشرة ملايين دولار بين الثمن الذي تطالب به تركيا من أجل معاودة علاقاتها الدبلوماسية الكاملة مع إسرائيل، والثمن الذي قالت إسرائيل انها مستعدة لدفعه.

·      قد يكون هناك من يقول "المال ليس مهماً، المهم هو قيام المفاوضات التي هي نوع من العلاقات". لكن على الرغم من ذلك، فمن المفيد أن نذّكر بأول اقتراح إسرائيلي بدفع 100 ألف دولار مقابل كل قتيل تركي من مجموع التسعة قتلى الذين سقطوا من جراء سيطرة الجيش الإسرائيلي على مافي مرمرة [سفينة المساعدات التركية إلى غزة سنة 2010].

·      لكن منذ ذلك الحين ارتفع الكرم الإسرائيلي إلى مليون دولار عن كل قتيل، ووصل اليوم إلى 2,2 مليون دولار، ولا شيء يضمن أن توافق تركيا على السعر الجديد.

·      من المفيد أن نذّكر هنا بأن المطلب التركي كان في البداية تقديم اعتذار إسرائيلي لا تعويضات ولا تغيير السياسة إزاء غزة. لكن على الرغم من صوابية الرد الإسرائيلي، فإن التمرغ في لجان التحقيق سواء منها الدولية مثل لجنة بالمر، أو المحلية مثل لجنة تيركل، واستمرار الحصار الوحشي على غزة، أدى إلى "عتبة تركية جديدة". فلم تعد المطالبة التركية تقتصر على الاعتذار بل أصبحت تتضمن تعويضات ورفع الحصار عن غزة.

·      ومنذ ذلك الحين تحول الأسطول التركي إلى مسألة قومية في كل من إسرائيل وتركيا، بحيث بات أي تنازل معناه الخضوع وإلحاق الضرر البالغ بهيبة الدولة، وخسارة في المعركة إزاء دولة هي في الوعي لدى البلدين دولة معادية. وهنا بدأت المقاطعة السياحية، وإلغاء الصفقات التجارية، والضرر البالغ الذي لحق بالتعاون الاستخباراتي، والقطيعة الاستراتيجية التي يفوق ثمنها أضعاف أضعاف مبالغ التعويضات.

·      خلال الثلاثة أعوام ونصف عام التي مرت منذ الهجوم على مرمرة، برزت شبكة علاقات جديدة بين الدولتين، غيرت الحلف القديم بصورة كاملة عما كان عليه، وليس فقط على الصعيدين الدبلوماسي والعسكري. فقد برز وسط الجمهورين التركي والإسرائيلي خطاب جديد تجاه أحدهما الآخر. وصُورت إسرائيل على أنها تتآمر على نظام أردوغان، وتدعم حزب العمال الكردي الذي تعتبره تركيا تنظيماً إرهابياً، وكذلك صورت على أنها تنشط ضد تركيا على الصعيد الدولي، وأنها ترتكب جرائم حرب ضد الفلسطينيين. وفي إسرائيل صورت تركيا دولة إسلامية متطرفة، متحالفة مع إيران وعدوة للغرب وشريكة لبشار الأسد (قبل أن تقطع تركيا علاقاتها بسورية)، وباتت دولة معادية بكل معنى الكلمة.

·      لكن في الوقت الذي كان فيه هذا الخطاب العدائي يتجذر، اتضح مرة اخرى أن المصالح تتغلب على العواطف. ومن المفارقات أن الأزمة السورية تحديداً هي التي أدت إلى قراءة جديدة للخريطة الاستراتيجية، وساهمت في تقريب إسرائيل من تركيا. فالتطلع إلى بلورة سياسة إقليمية مشتركة حيال سورية، والتخوف من انتقال الحرب السورية إلى إسرائيل وتركيا، وتزايد قوة التنظيمات الإسلامية المنتمية إلى القاعدة في سورية، والتوتر حيال احتمال هجوم إسرائيلي ضد إيران، كل ذلك دفع الولايات المتحدة إلى الضغط على تركيا وإسرائيل من أجل انهاء النزاع الهامشي بينهما الذي من شأنه أن يعرقل مساعي التعاون ضد سورية وإيران. وخلال الحفل الوداعي لأوباما في مطار بن - غوريون، اتصل نتنياهو هاتفياً بأردوغان وقدم الاعتذار المنتظر منذ عامين ونصف العام.

·      لكن الاعتذار الذي كان سيهدّئ خواطر تركيا قبل ثلاثة أعوام ونصف العام، وصل متأخراً جداً ولم يعد يلبي المطالب التركية. وتطلب مرور سنة جديدة كي توافق إسرائيل على دفع بند التعويضات التي لا تزال معلقة من دون توقيع نهائي.

·      في هذه الأثناء وبصورة هادئة، وافقت إسرائيل على إدخال مساعدات تركية إلى غزة تضمنت مواد بناء وسلعاً استهلاكية. وعلى الرغم من أن الحصار الإسرائيلي على غزة لن يرفع في وقت قريب، وأن وضع المليون وسبعمائة ألف فلسطيني هناك أصبح أسوأ مما كان عليه في فترة الأسطول، فإن إسرائيل لبت جزئياً المطالب التركية.

·      علاوة على ذلك، لم يعد في استطاعة تركيا توجيه اللوم إلى إسرائيل في ظل السياسة المصرية الصارمة التي تحاصر غزة من كل اتجاه، بما في ذلك تدمير الانفاق.

·      اليوم وبعد أن أصبحت تركيا تعتبر عدوة في نظر النظام المصري العسكري بسبب التأييد التركي للإخوان المسلمين، أصبحت أنقرة تفضل السكوت وعدم انتقاد الحصار المصري، الأمر الذي تستفيد منه إسرائيل أيضاً.
بالنسبة لتركيا، ومع انتهاء مسألة التعويضات، تكون إسرائيل لبت جميع المطالب التركية من دون أي تنازل. بقي فقط تحديد موعد انتهاء احتساب التعويضات، ومعاودة العلاقات الكاملة بين الدولتين.

·      ومن يحدد الجدول الزمني هو أنقرة وليس القدس، إذ ستضطر أنقرة إلى درس تأثير معاودة علاقاتها مع إسرائيل على عملية ترميم العلاقة مع إيران. وهل سيكون من الحكمة معاودة العلاقات تحديداً في الوقت الذي يبدو فيه أن مفاوضات السلام مع الفلسطينيين تنهار؟ وإلى أي حد سيساعد استئناف العلاقات مع إسرائيل في ترميم المكانة السياسية لأردوغان الذي وضع تركيا في عزلة إقليمية؟