· جاء وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى مؤتمر الأمن في ميونيخ [ألمانيا] مع بُشرى طيبة وأخرى سيئة: البُشرى الطيبة أن الولايات المتحدة لن تعاقب وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون الذي سبق أن نعت كيري بأنه "موسوس ومسياني"، والسيئة أن هذا لن يساعدنا كثيراً، وأنه إذا ما استقر رأي العالم على أننا نتحمل تبعة فشل جولة المفوضات الحالية مع الفلسطينيين، فسيرد علينا بفرض مقاطعة مؤذية على إسرائيل.
· إن مؤتمر الأمن في ميونيخ يعقد سنوياً منذ خمسين عاماً، ويجمع بين مئات الزعماء من شتى أنحاء العالم حيث يتناقشون في حلقات مفتوحة ومغلقة في موضوعات السياسة والأمن، وفي الأعوام الأخيرة بات واحداً من المحافل الدبلوماسية والأمنية الأهم في العالم. ولعل من أسباب ذلك أنه يتيح فرصة نادرة لزعماء دول تعادي بعضها كي يتبادلوا الكلام في أروقة الفندق الذي يعقد فيه.
· وقد أرسلت إسرائيل إلى هذا المؤتمر الذي افتتح في نهاية الأسبوع الفائت، وفداً يضم كلاً من وزير الدفاع يعلون ووزيرة العدل تسيبي ليفني ومستشار الأمن القومي في ديوان رئيس الحكومة يوسي كوهين، ورافقهم أيضاً كل من رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق إيهود باراك ومستشار الأمن القومي السابق عوزي أراد وعدد من كبار المسؤولين في أجهزة الاستخبارات.
· وخلافاً للتقديرات التي اسمعت قبل أسبوعين بعد أن هاجم يعلون كيري بشدة، فإن الأميركيين لم يعاقبوا وزير الدفاع الذي اجتمع أمس في ميونيخ مع وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل. كما عقد اجتماع في إطار المؤتمر بين مستشار الأمن القومي يوسي كوهين ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف جرت خلاله مناقشة الموضوع الإيراني، وآخر بين مسؤول رفيع المستوى من المؤسسة الأمنية الإسرائيلية وأمير من الأسرة الملكية الأردنية طلب هذا الأخير خلاله أن تحافظ إسرائيل على مصالح الأردن في أي تسوية مع الفلسطينيين، واجتماع بين مسؤول إسرائيلي رفيع والمسؤول في الإدارة الأميركية عن الملف السوري فرد هوف الذي أكد أنه في حال تفضيل السكان الدروز في هضبة الجولان البقاء تحت سيادة إسرائيلية فثمة احتمال لاحتفاظ إسرائيل بالجولان في أي تسوية يتم التوصل إليها في المستقبل.
· الأخبار الطيبة من ميونيخ الى هنا، ولا بُدّ من أن ننتقل الآن إلى الأخبار السيئة. فقد قال مسؤولون كبار في الاتحاد الأوروبي إنهم وافقوا على أن يجمدوا اقتراح مقاطعة منتجات من المستوطنات كي يتيحوا لكيري إمكان الحصول على موافقة إسرائيل والفلسطينيين على اتفاق المبادئ، ولكن - وهذه مهمة جداً - في حال اتهام الجانب الإسرائيلي بإفشال المفاوضات، فسيجدد الاتحاد المبادرة بكامل زخمها.
· وإذا لم يكن ذلك كافياً فقد أشار مسؤولون كبار في الاتحاد الأوروبي إلى أنه أدرجت في جدول الأعمال أيضاً مبادرة أشد هي فرض عقوبات على إسرائيل تشبه العقوبات التي فرضها المجتمع الدولي على جنوب إفريقيا في إبان فترة نظام الفصل العنصري [الأبارتهايد].
· ويؤكد هؤلاء المسؤولون الكبار أنهم سيتعاملون مع إسرائيل بطريقة "العصا والجزرة"، فإذا ما كللت المفاوضات بالنجاح فإنها ستحظى بمنزلة عضو في الاتحاد من خارج أوروبا مع كل ما يقترن بذلك من امتيازات اقتصادية (كما وعد وزراء وأمراء من السعودية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل بعد توقيع الاتفاق مع الفلسطينيين فوراً)، لكن في حال فشل المفاوضات واعتبار إسرائيل مسؤولة عن هذا الفشل، فستصبح دولة منعزلة يبتعد عنها الجميع.
· وقال إسرائيليون مشاركون في المؤتمر إننا خسرنا منذ الآن في هذه المعركة، وإنه في الأحوال جميعاً سيتم تحميل إسرائيل مسؤولية فشل جولة المفاوضات في حال فشلها فعلاً، لأن الفلسطينيين يعتبرون الجانب الأكثر تضرراً من هذا الفشل.
· لكن حتى لو لم يكن هذا هو الوضع بالضبط، يُستحسن أن نبدأ باستيعاب أن فشل المفاوضات سيؤدي إلى ثمن باهظ تدفعه إسرائيل ربما بالعملة الصعبة.