· لا أوهام لدى أحد بأن يؤدي مؤتمر "جنيف 2" الذي بدأ أعماله الأسبوع الفائت بين وفدي النظام والمعارضة في سورية، إلى إحلال السلام أو وقف المجزرة الرهيبة في هذا البلد.
· وتشير الأنباء الواردة من هذا المؤتمر إلى أن مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية الأخضر الإبراهيمي يتجه في المرحلة الحالية إلى الدفع قدماً بخطوات لبناء الثقة بين الجانبين، على غرار إطلاق آلاف الأسرى الذين زُجّ بهم في سجون النظام والإفراج عن مئات اختطفهم المتمردون. لكن حتى هذا الإجراء ليس سهلاً، فلا أحد يستطيع أن يقول بصدق كم من هؤلاء السجناء والمخطوفين لا يزالون أحياء بعد التعذيب الذي تعرضوا له.
· إن ما يمكن توقعه هو تحويم ظل قاتم في أجواء الغرفة التي تجري فيها المفاوضات. ومن المهم ملاحظة أن الوفد الروسي كان أول وفد يغادر جنيف عائداً إلى بلده. وهذا يعني أن الوسيط الروسي غير معني بممارسة ضغوط على وفد النظام السوري.
· فضلاً عن ذلك كله، فإن الجانبين يدركان أنه في حزيران/ يونيو المقبل ستجري انتخابات لاختيار رئيس سوري جديد. ومن الصعب أن يتم التفكير في منافسين للرئيس بشار الأسد. ويدركان أنه إذا ما قرّر الأسد خوض الانتخابات فسيفوز.
· بناء على ذلك، سيجلس الوفدان في مؤتمر "جنيف 2" يفصل بينهما 140,000 ألف قتيل و6,000,000 لاجئ ومدن وأحياء مدمرة بالكامل. كما أن القوتين غير متكافئتين، فمن جهة هناك وزير خارجية بشار الأسد، وليد المعلم ابن الـ 73 عاماً، من دمشق وابن عائلة ثرية، وفي مقابله أحمد الجربا من القامشلي، ابن الـ 44 عاماً، وهو الرئيس الخامس لائتلاف منظمات المعارضة التي تحظى بتعاطف دولي لكن وزنها في ميدان المعارك تراجع كثيراً.
· لقد زُجّ بالجربا ثلاث مرات في سجون سورية وتم اختطافه وعُذب ونجح في الفرار إلى تركيا. من الجائز أن يطالب الجربا بحكومة ائتلافية، لكنه لن يتجرأ هو ورفاقه على دخول سورية.
· وفي واقع الأمر، ليس النظام السوري وحده من خسر الشرعية، وإنما أيضاً منظمات المعارضة التي تخلت عن صلتها بالمتمردين على الأرض، وهي عاجزة، وربما فقدت الرغبة في مغادرة المقاعد الوثيرة وإدارة الحرب. إن الجربا يبدو مثل رجل أعمال تعلم أن يسافر جواً في العالم في جناح الدرجة الأولى.
· ومع ذلك، يبدو أن الإبراهيمي سيحاول أن يدبّر أمور الوفدين متسلحاً بأعصاب من حديد. والشيء الأكيد أنه سيناور بين خرائط طرق ستهبط عليه من بعيد. فهناك الأسرة المالكة السعودية في مواجهة إيران، وموسكو في مواجهة واشنطن التي لم تقرر حتى الآن ما الذي تريده حقيقة في سورية. وقد لقي 150 إنساناً مصرعهم منذ بدأ المؤتمر أعماله. وفي نهاية الأسبوع تمت تصفية الحساب مع مقدّم البرامج في قناة "الجزيرة" فيصل القاسم الذي عرف كيف يختفي من سورية في الوقت الملائم. فقد اقتحم شبيحة النظام بيتيه وأفرغوهما من الأملاك وعلقوا العلم الوطني وبثوا ذلك في قناة التلفزة الرسمية، كي يعلم كل من يصرّ على دعم الجانب غير الصحيح ما الذي ينتظره.