لماذا تفضل إسرائيل بقاء الأسد في منصبه؟
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

·      افتتح مؤتمر جنيف لبحث حل للأزمة السورية بداية في مدينة مونترو السويسرية. ومن المفترض أن ينتقل اليوم مندوبو 30 دولة مشاركة في المؤتمر إلى المدينة التي جرى فيها التوصل خلال تشرين الثاني/نوفمبر الماضي إلى اتفاق موقت لمشكلة إقليمية لا تقل أهمية هي البرنامج النووي الإيراني. لقد اضطرت إيران إلى التنازل عن مشاركتها في مؤتمر جينيف 2 بعد تراجع الأمين العام بان كي مون عن الدعوة التي وجهها إليها بضغط من الأميركيين. لكن على الرغم من ذلك، من الواضح أن إيران تحولت في نظر الغرب، في سورية كما في المسألة النووية، من كونها تشكل جوهر المشكلة إلى كونها تشكل جزءاً من الحل.

·      لقد ألمح الرئيس الأميركي إلى ذلك في مقال مطوّل نشرته الأسبوع الماضي مجلة "ذي نيويوركر"، حيث اعترف بأن الوضع في سورية "يقلقه جداً"، لكنه في الوقت عينه مقتنع بقراره عدم التدخل العسكري. ورسم بحذر أمام رئيس تحرير المجلة ديفيد رمنيك الطريق الطويلة للحل في سورية، معترفاً بضرورة "العمل مع الدول التي استثمرت الكثير من أجل بقاء نظام الأسد في السلطة - الروس والإيرانيين". ووصف الأعوام الثلاثة للقتال في سورية "بأنها معركة وحشية بين نظام مستعد لأن يفعل كل شيء من اجل بقائه، ومعارضة منقسمة على نفسها وغير مدربة". ولم تبرز في المقابلة أي دعوة من جانب الرئيس الأميركي لاستبدال الطاغية السوري.

·      وزير الخارجية الأميركي جون كيري حافظ على شيء من الحماسة عندما ضمن خطابه أول من أمس المطالبة بتنحية بشار الأسد من منصبه. ويبدو كيري دائماً أكثر حماسة من رئيسه في ما يتعلق بجميع القضايا الإقليمية بدءاً من سورية وصولاً إلى الفلسطينيين. لكن هذه المرة بدت مطالبته بتنحية الأسد مجرد رفع عتب. ففي الواقع، سلمت الولايات المتحدة ببقاء الأسد منذ اللحظة التي فرضت عليه فيها مع الروس في آب/أغسطس الماضي، نزع سلاحه الكيميائي بعد المجزرة ضد المدنيين بالقرب من دمشق. وحتى الآن أنجز النظام السوري التخلص من 27 طناً من المواد القاتلة من أصل نحو 1200 طن. وليس هناك ما يدعو الأسد إلى الاستعجال، فالتخلص البطيء والتدريجي من السلاح الكيميائي يقدم له نوعاً من الضمان ضد تدخل دولي مشترك ضده.

·      حيال الاضطرابات التي تجري على حدودها الشمالية، تحافظ إسرائيل على صمت غير معهود. ففي الخطاب الذي ألقاه رئيس الحكومة في مطلع شهر كانون الثاني/يناير الحالي في مؤتمر كلية الدفاع الوطني، ألمح بنيامين نتنياهو إلى الهجمات الجوية المنسوبة إلى إسرائيل ضد القوافل التي تحاول نقل سلاح نوعي من سورية إلى حزب الله. إنما باستثناء ذلك، يكتفي نتنياهو بالتباهي بالديمقراطية الإسرائيلية من خلال مقارنتها بما يجري في دمشق، بينما يحتج اعضاء الكنيست العرب على عمليات كم الأفواه والقمع. لكن السؤال الذي يطرح هو :ماذا تنتظر إسرائيل من المؤتمر المنعقد في سويسرا؟ وماذا تريد ان يجري في سورية؟

·      من الصعب الحصول اليوم على جواب مباشر من القدس على هذا السؤال. لكن من الملاحظ اختفاء الدعوات المباشرة إلى اسقاط الأسد من القاموس منذ بضعة أشهر. ففي سنة 2013 تحدث أفيغدور ليبرمان (الذي لم يكن وزيراً آنذاك بل عضو كنيست) والوزير يوفال شتاينتس والسفير السابق في واشنطن مايكل أورون عن الحاجة إلى تغيير السلطة الحاكمة في دمشق. لكن أحداث الأشهر الأخيرة في سورية وأبرزها سيطرة التنظيمات القريبة من القاعدة على أجزاء من نشاط المعارضة السورية، غيّرت الموقف الإسرائيلي بصورة مشابهة للتغير الذي حدث في واشنطن والعواصم الأوروبية. وفي هذه الأثناء أثبت نظام الأسد من خلال ممارسته عنفاً لا يعرف الحدود، قدرته على البقاء في السلطة.

·      فيما يتعلق بالاختيار بين الأسد والقاعدة فإن إسرائيل تفضل استمرار القتال. إلا أنها، حتى لو لم تقل ذلك، ستفضل الأسد قطعاً إذا تعقدت الأمور كثيراً. وقد ساهم تجمع عشرات المقاتلين التابعين للجهاد الإسلامي في الجانب السوري من الحدود في هضبة الجولان في تغيير موقف إسرائيل بصورة تدريجية.