منذ متى بدو النقب فلسطينيون؟
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- هل بدو النقب فلسطينيون؟ طرحت هذا السؤال على نفسي عندما رأيت مشهد أعضاء الكنيست العرب في أثناء مناقشة اقتراح قانون براﭭر الخاص بتسوية أوضاع استيطان البدو للنقب، فقد صاحوا وصرخوا ثم مزقوا نص اقتراح القانون من على منصة الكنيست. وذكّرني هذا المشهد بالراحل حاييم هرتسوغ الذي مزق في نهاية خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة نسخة القرار الدولي الذي يعتبر الحركة الصهيونية حركة عنصرية.
- لقد كان واضحاً أن أعضاء الكنيست العرب الذين يعتبرون أنفسهم فلسطينيين، قرروا ضم بدو النقب إلى صفوف الشعب الفلسطيني، على الرغم من أنه من المعروف والواضح أن ملايين البدو الذين يعيشون في أنحاء الشرق الأوسط ليسوا فلسطينيين. فالبدو في السعودية ليسوا فلسطينيين، مثلما أن بدو سيناء ليسوا فلسطينيين أيضاً. وهل البدو في الأردن أردنيون؟، ذلك أنه من المعروف أن ولاء البدوي للقبيلة قبل أيّ شيء. وينطبق هذا أيضاً على البدو الذين يعيشون في النقب. لكن تعرّض البدو في الأعوام الأخيرة إلى ضغوط من جانب الحركة الإسلامية في الشمال التي تحاول تحويلهم إلى أشخاص أكثر تديّناً وأكثر عداء لدولة إسرائيل، واعتبار أنفسهم فلسطينيين أو على الأقل من البدو الفلسطينيين.
- وفي الواقع، فإن هذا الأمر يخدم هدفاً سياسياً واضحاً هو اعتبار جميع سكان إسرائيل الذين يتحدّثون اللغة العربية من الفلسطينيين. ويشكل هذا جزءاً من مشروع بناء الشعب الفلسطيني الذي بدأ مع قيام منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1964 ونجح منذ ذلك الحين نجاحاً كبيراً. فحتى ذلك التاريخ، كان الذين يتحدثون اللغة العربية من سكان المناطق التي خصّصتها الأمم المتحدة وطناً لليهود، يعتبرون عرباً.
- إن قرارات التقسيم ومن بينها قرار لجنة بيل البريطانية العائد إلى سنة 1937 وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في سنة 1947، دعت إلى تقسيم فلسطين إلى "دولة يهودية ودولة عربية". وخلال حكم الانتداب سمّت القيادات السياسية العربية في أرض إسرائيل نفسها بزعامة مفتي القدس، "اللجنة العربية العليا". أما اليوم، فتعرّف هذه القيادة عن نفسها بأنها فلسطينية. ومن المحتمل أنه لو نجحت منظمة التحرير الفلسطينية في السيطرة على الأردن "في أيلول/سبتمبر الأسود" لكانت غيّرت اسم الأردن.
- وفي الواقع، ونحن نشهد تفكك دول عربية نشأت بعد الحرب العالمية الأولى - مثل العراق وسورية ولبنان - وتفكك "الشعوب" التي هناك، نرى أن بناء الشعب الفلسطيني يتقدّم من دون توقف وبتشجيع من الأمم المتحدة والولايات المتحدة وإسرائيل على الرغم من أن هناك اليوم كيانين فلسطينيين سياسيين منفصلين: واحد في رام الله وآخر في غزة، ومن المحتمل قيام كيان ثالث في الأردن.
- إن أعضاء الكنيست العرب (ربما من الأفضل القول أعضاء الكنيست الفلسطينيين)، منهمكون في تطبيق الهيمنة الفلسطينية على كل مواطن إسرائيلي لغته الأم اللغة العربية، والآن جاء دور بدو النقب.
- لقد دأبت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على تجاهل ضائقة البدو في النقب. وقامت الحركة الإسلامية واليوم أعضاء الكنيست العرب، بملء الفراغ الناشئ. ومن هنا يمكن القول إن اقتراح قانون براﭭر هو المحاولة الأولى للحكومة الإسرائيلية من أجل وضع سياسة ثابتة تناسب بدو النقب ودولة إسرائيل في آن معاً. لكن هذه الخطوة جاءت متأخرة جداً ولا تشكل رداً على المشكلات التي يواجهها البدو عندما يحاولون الاندماج في مجتمع التكنولوجيا المتطوّرة والحديثة.