مصر تفتقر إلى زعامة حقيقية وما تشهده ليس حرباً أهلية
تاريخ المقال
المصدر
- إن التظاهرات المليونية التي شهدتها مصر في الأيام الأخيرة تعبير آخر عن الانقسام العميق في المجتمع المصري. فمن جهة، هناك المعارضة المؤلفة من القوى الليبرالية واليساريين وأنصار النظام السابق التي يجمعها هدف واحد هو رحيل مرسي عن كرسي الرئاسة. وفي الجهة الثانية هناك كتلة الإسلاميين وعلى رأسها حركة الإخوان المسلمين التي لا تنوي التنازل عن السلطة التي وصلت إليها بوسائل شرعية وديمقراطية.
- في الخطاب الأخير الذي ألقاه مرسي اعترف بأخطائه وأعرب عن استعداده لتشكيل لجنة مصالحة وطنية مؤلفة من المعارضين الذين شاركوا في الثورة. لكنه في الوقت عينه عبّر في هذا الخطاب عن استيائه الشديد من الأطراف التي تقوم بعرقلة عمله ومنعه من إدارة شؤون الدولة. وتطرّق مرسي بوضوح في خطابه إلى وسائل الإعلام التي تسيطر عليها أقلية من عهد الرئيس مبارك تعمل لزعزعة الاستقرار في مصر، كما تطرق علناً إلى الجهاز القضائي وهاجمه بشدة متهماً إياه بأنه يشكل جزءاً لا يتجزأ من مؤسسات حكم مبارك.
- لم يساعد الأسلوب الذي استخدمه مرسي خلال عامه الأول رئيساً للجمهورية في تقليص الشرخ بين أبناء الشعب المصري، فقد أثبت الإخوان المسلمون أنهم لا يزالون يتصرفون بوصفهم حزباً مغلقاً على نفسه يسعى إلى تعزيز مصالحه الحزبية الضيقة. وبرز هذا بصورة خاصة من خلال محاولات مرسي الفاشلة إعطاء نفسه صلاحيات مطلقة، ومن خلال صوغ دستور ذي صبغة إسلامية من دون الحصول على موافقة المعارضة السياسية، كما برز من خلال سلسلة تعيينات سياسية من داخل إطار الحركة. وعلى الرغم من المعارضة العنيفة لهذه الخطوات من أطراف سياسية مختلفة، فإن هذا لم يؤد إلى تنازلات بعيدة المدى من جانب الإخوان، بل على العكس أظهروا إصرارهم على توسيع نفوذهم داخل مؤسسات الحكم حتى لو كان الثمن الدخول في مواجهة عنيفة مع قوى المعارضة.
- لكن على الرغم من ذلك، كان للمعارضة المنقسمة على نفسها دور في نشوء حالة عدم الاستقرار، إذ لم تعتبر قوى المعارضة فوز مرسي شرعياً، ولم تكن مستعدة للتوصل إلى تسوية معه ولا إلى اتفاق على قضايا مثل صوغ الدستور أو وضع قانون الانتخابات. وطوال الوقت حملت المعارضة مطالب مطلقة لا تنازل عنها مثل تلك التي ترفعها اليوم، وهي إما رحيل مرسي أو عودة الثورة.
- لكن على الرغم من الانقسام العميق وتزايد أعمال العنف، فإنه من السابق لأوانه القول إن ما يجري في مصر هو حرب أهلية. صحيح أن أعمال العنف في الشارع دليل على وجود ميليشيات مسلحة، لكن نشاطها في هذه المرحلة محدود، ولا يزال الجيش المصري القوة الأساسية ومن المنتظر أن يتدخل مستقبلاً لمنع استمرار الفوضى.
- وبغض النظر عن القرار الذي سيتخذه الجيش، فإن مصر لن تعرف الاستقرار في المدى القريب. قد لا يكون مرسي زعيماً مثالياً، لكن المعارضة أيضاً لا تقدّم زعيماً ولا رؤية يمكن أن يشكلا بديلاً من زعامة مرسي عديم الخبرة. ومن المهم ألا ننسى أن خروج الملايين إلى الشارع للمطالبة بتنحي مرسي هو للتعبير عن خبية الأمل والإحباط حيال تدهور الوضع الاقتصادي وتردّي مستوى الأمن الشخصي. وما يمكن قوله إن الحل الناجع والملائم للمشكلات التي يعانيها هؤلاء الملايين لن يأتي من جانب قوى المعارضة التي تطالب اليوم برأس مرسي باسم الديمقراطية.