الجيش الإسرائيلي تحول إلى ساحة المعركة الأساسية بين داعمي الانقلاب القضائي ومعارضيه
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • حذّر وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، بحسب ما نشرت وسائل إعلام أمس (الاثنين)، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، من أنه سيكون من الصعب عليه البقاء في منصبه في حال استمر الائتلاف في مسار تشريع الانقلاب القضائي من دون التوصل إلى اتفاق واسع. وجاءت أقوال غالانت بعد سلسلة ردود صعبة من جنود الاحتياط في الجيش، والتخوف من أن يؤدي هذا إلى إلحاق ضرر جدّي بجهوزية الجيش، وخاصة سلاح الجو.
  • وقد تحدث نتنياهو عن محادثاته مع غالانت خلال لقاء زعماء الائتلاف الحكومي. ويبدو أنه كشف عنه ضمن محاولة لبثّ رسالة مضاعفة تدفع قدماً بخطته الجديدة لتمرير قوانين بصيغ أقل فجاجة، وبذلك يقول لليمين إنه لا يملك خياراً إلّا التنازل عن جزء من خطته؛ ويقول لليسار إنه وافق فقط بسبب ضغوط وزير الدفاع، ولذا، فإن مقترحاته أصلية وتعكس تغييراً حقيقياً.
  • ما بدأ كعملية قصف تشريعي على نمط الصدمة، يتقلص الآن كلما اقتربنا من الموعد النهائي الذي وضعه الائتلاف لنفسه، نهاية دورة الشتاء في الكنيست، في مطلع نيسان/أبريل المقبل. ونتنياهو، بشخصية الذي يقدم تنازلات اليوم، يحاول إقناع زعماء المعارضة وقيادة الاحتجاجات بأنه يمكن التنازل وقبول تشريع يمنح الحكومة نقاط قوة مهمة في مجال تعيين القضاة في المحكمة العليا. وقلّة ستقع في هذا الفخ. أولاً، لأن السيطرة على تعيين القضاة كانت أساس الخطة منذ البداية؛ وثانياً، بسبب الاشتباه في أن هذه ليست إلاّ محاولة لتنويم المجتمع، بهدف تمرير الخطة بطريقة الشرائح المقسمة، بعد هدوء الاحتجاجات.
  • حتى الآن، يبدو أن الجيش تحول إلى ساحة المعركة الأساسية بين داعمي الانقلاب ومعارضيه. فنحن لسنا إزاء أقوال غالانت فقط. وأول أمس، أعلن نحو 180 طياراً ومساعد طيار أنهم لن يلتزموا بالتدريبات المقررة لجيش الاحتياط هذا الأسبوع، احتجاجاً على الانقلاب. وهناك خطوات إضافية للمستقبل.
  • بسبب هذه التطورات، دعا قائد سلاح الجو تومر بار قيادات سلاح الجو سابقاً إلى جلسة تحديث. وحصل بار على التشجيع والدعم الكامل، بالإضافة إلى نصيحة، فحواها: قم باحتواء المواجهة، ولا تواجه المحتجين، محذّرين من أن كل خطوة عقابية، ستؤدي إلى سلسلة أحداث سيوقف فيها مئات جنود الاحتياط تطوّعهم في السلاح. ببساطة، لن يكون لدى سلاح الجو أي طريقة لتجنيد بدائل، وستتراجع جهوزية السلاح - خلال أسابيع - بشكل ملحوظ.
  • هذه الأمور تتماشى مع محاولة نتنياهو تحويل الأزمة إلى قائد هيئة الأركان. خلال جلسة الحكومة هذا الأسبوع، طالب رئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي بمحاربة رفض الخدمة. بينما قال المسؤولون في السلاح لبار العكس. ونصحوه بالتوجه برفقة رئيس هيئة الأركان، للجلوس مع وزير الدفاع ورئيس الحكومة، وطرح الصورة الكاملة كما هي: كلما هاجموا جنود الاحتياط، كلما ازدادت الاحتجاجات.
  • التحذيرات من تراجُع الجهوزية، والتأثير السلبي في أمان سلاح الجو، هي أمور حقيقية أيضاً. في سنة 2014، وبعد خطف المستوطنين الثلاثة في الخليل، كان من الصعب على سلاح الجو تنفيذ حملة يقوم خلالها بنقل وحدات برية عبر الطائرات في الضفة الغربية، وذلك لأن جهوزية الطواقم تراجعت. هذا ما حدث بسبب تقليصات في الميزانية أدت إلى تقليل التدريبات في الأشهر التي سبقت ذلك.

التقاء الساحات

  • إن المصطلح المنتشر في أوساط القيادة الأمنية خلال الأسابيع الماضية هو التقاء الساحات. ففي الوقت الذي لا تزال إسرائيل تعيش أزمة داخلية غير مسبوقة، تعيش في الوقت نفسه حالة قلق من تطورات سلبية في ثلاث جبهات: إيران تحسّن وضعها الاستراتيجي في المنطقة وتقترب إلى عتبة تخصيب اليورانيوم العسكري - 90%؛ حزب الله يتجرأ على المبادرة إلى عمليات في الضفة، وفي العمق الإسرائيلي؛ في الضفة الغربية تتصاعد المخاطر من انفجار في مطلع شهر رمضان. لا توجد أي جهة تلائم هذه التطورات سوياً، ولا يوجد أيضاً أي تحذير من حرب فورية. ولكن العلاقة المتصاعدة بين الجبهات، إلى جانب فهم العدو أن الحكومة الإسرائيلية ضعيفة ومتطرفة، وخطواتها لا تتضمن الكثير من المنطق، يرفع شعور الخطر في الشرق الأوسط.
  • إن طهران تستمر في تعزيز استقرارها الاستراتيجي الجديد في المنطقة. هذا الأسبوع، وفي أعقاب اتفاق المصالحة مع السعودية، نُشر أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي دُعيَ إلى زيارة رسمية إلى الرياض. وادّعى رئيس الوكالة الإيرانية للطاقة النووية محمد إسلامي، أن بلاده نجحت في العام الماضي في مضاعفة البنى النووية لديها وقدراتها على الإنتاج الذاتي. وفي ذات الوقت، تم عقد لقاءات تنسيقية بين قيادات "حماس" وحزب الله والجهاد الإسلامي، ودار الحديث فيها حول تصعيد النضال العسكري ضد إسرائيل.
  • على الرغم من هذه التطورات، فإن جزءاً كبيراً من المحادثة الهاتفية بين الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الحكومة نتنياهو، تحول إلى محاضرة في اتجاه واحد من واشنطن عن قيم الديمقراطية. يبدو أن نتنياهو فهم أنه ما دام مستمراً في المسار التشريعي، فلن يكون ضيفاً مقبولاً في البيت الأبيض. ونتنياهو ليس كوزير ماليته بتسلئيل سموتريتش، فهو لا يستطيع زيارة الولايات المتحدة والاكتفاء بالمشاركة في مؤتمرات هامشية. ديوان رئيس الحكومة، وبشكل متوقع، اختار التركيز على أن الطرفين اتفقا على الخطر من إيران نووية، ولكن الصورة الآن تبدو أوضح: الانتقادات المتزايدة من طرف إدارة بايدن لإسرائيل بسبب الأزمة الدستورية ستنعكس على نتنياهو في موضوعيْ إيران والضفة.
  • بدوره، يعتقد البروفيسور في الاقتصاد عيران ياشيف أن الضعف الكبير المتوقع للاقتصاد الإسرائيلي نتيجة الأزمة، يجب أن يُقلق الدول الأوروبية أيضاً التي تستقبل نتنياهو في جولاته الأخيرة في أواخر الأسبوع.
  • وبحسب ياشيف، فإن "قيادات الدول الضعيفة اقتصادياً تميل عادة إلى خلق أعداء. في حالة إسرائيل، سيكون هؤلاء هم المواطنون العرب، في وظيفة العدو الداخلي، وإيران كعدو خارجي." ويضيف أن "النظام الإيراني سيتعامل مع إسرائيل كمنافس عدائي من دون كوابح، ولا توازنات. وعلى الرغم من ذلك فإنه سيكون أضعف بسبب الخلافات السياسية التي ستؤثر سلباً في الجيش. هذه التطورات يمكنها أن تدفع إيران إلى إعلان تخطّي عتبة القدرة النووية، وهو اتجاه تقترب منه أصلاً."

يطلقون النار ويتنازلون

  • في الساحة الفلسطينية، لا تزال الحكومة تتصرف كأنها مصابة بالانفصام. من جهة، تؤكد إسرائيل للأميركيين، عشية رمضان، أنها ستقلص عملياتها العسكرية في مناطق (أ) التي تخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية في الضفة. ومن جهة أُخرى، على الأقل مرة في الأسبوع، تجري عملية اعتقال، أو اغتيال في وسط جنين، أو نابلس، تنتهي بقتل كثيف لمسلحين ومدنيين فلسطينيين. وفي العملية التي جرت أول أمس في حوارة، أصيب إسرائيلي بإصابات متوسطة، حتى صعبة.
  • أول أمس، كان هناك قمة في شرم الشيخ - الثانية خلال ثلاثة أسابيع - في محاولة لتهدئة الميدان، تحضيراً لرمضان. التنازلات التي قدمتها حكومة اليمين الكامل هناك، لم تكن لتمرّ بسهولة لو كان الليكود في المعارضة. بالأساس، التزمت إسرائيل عدم البحث في بناء مستوطنات لمدة 4 أشهر، وعدم تشريع بؤر استيطانية إضافية لمدة نصف عام، وأن تدفع قدماً بمحادثات مباشرة مع الفلسطينيين. نتنياهو يسير هنا على حبل صغير رفيع جداً، بين إدارة بايدن من جهة، وفي الجهة الأُخرى سموتريتش وبن غفير، إلى جانب مجلس المستوطنات أيضاً. سموتريتش، بالمناسبة، استغل زيارة إضافية هذه المرة إلى باريس، ليعلن من هناك أنه "لا يوجد شعب فلسطيني" - استفزاز إضافي للإدارة الأميركية، لن يساعد على أخذه بجدية في واشنطن. وقد ألقى الخطاب من على منصة عليها رمز "الإيتسل"، الذي تظهر فيه أرض إسرائيل على طرفيْ نهر الأردن. والاحتجاج الدبلوماسي من طرف عمّان لم يتأخر. فوزارة الخارجية الأردنية دانت أقواله، وطالبت حكومة إسرائيل بالتبرؤ منها. بعد بضع ساعات، نشرت وزارة الخارجية الإسرائيلية توضيحاً جاء فيه أنه لم يطرأ أي تغيير على الموقف الإسرائيلي مقابل المملكة.
  • ثمة إشارة أُخرى إلى الفوضى السياسية الإسرائيلية في الضفة، هي مشروع قانون بقيادة الائتلاف لإلغاء "قانون فك الارتباط [من سنة 2005]"، والذي أُقرّ بالقراءتين الثانية والثالثة في الكنيست. إن الهدف الأساسي من ورائه هو تخريب إمكان حل الدولتين، الذي يبتعد أصلاً. ولكن ما يحدث هنا أيضاً هو تراجُع إسرائيل عن الالتزام الذي منحه رئيس الحكومة السابق أريئيل شارون لرئيس الولايات المتحدة جورج بوش الابن.
  • رئيس هيئة الأركان العامة السابق عضو الكنيست غادي أيزنكوت، قال لـ"هآرتس" إن القانون الجديد "خطوة إضافية في المسار غير المنطقي. القانون تافه، ويتم تشريعه استجابةً لضغوط على أعضاء الليكود، يقوم بها رئيس مجلس مستوطنات نابلس يوسي دغان. هذا الحدث غير مسيطَر عليه. أنظر إلى ما يحدث هنا، وأسأل: إلى أين سيأخذوننا؟"

 

 

المزيد ضمن العدد