هل يسلك هليفي طريق كوخافي بطمس التحقيقات في جرائم المستوطنين؟
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- لا شك في أن رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي الجنرال هرتسي هليفي، أو رئيس جهاز الأمن العام ["الشاباك"] رونين بار، هما الآن في وضع لا يُحسدان عليه. من المؤكد أن مَن سبقهما، أفيف كوخافي ونداف أرغمان، يشكران الرب يومياً على أن ولايتيهما انتهتا في الوقت الصحيح. ففي أسوأ كوابيسهما، لم يتخيل بار، أو هليفي، أنه يمكن أن تتفكك أجهزة الأمن، وتجد إسرائيل نفسها أمام حرب أهلية في أثناء تولّيه المسؤولية. الاحتجاجات ضد الانقلاب القضائي يضعهما بين المطرقة والسندان، بين الالتزام بالقانون وقيمة المؤسسة، وبين الالتزام بقرارات الحكومة المسؤولة عنهما. في هذا الامتحان غير المسبوق، لا خيار أمامهما إلا العمل بحكمة ومنطق وحساسية. الضلع الثالث في هذا المثلث هو القائد العام للشرطة، كوبي شبتاي، الذي يبدو حتى الآن الحلقة الأضعف.
- وفي المقابل، لا يجب النظر بعين الرحمة إلى حراس التخوم هؤلاء. فلم يرغمهم أحد على هذه التعيينات في الوظائف المهمة. هم أرادوا ذلك، وعملوا طوال مسيرتهم المهنية على الوصول إلى هذه النقطة تحديداً. لذلك، يرافق الصلاحيات أيضاً امتحان المسؤولية. خلال الهجوم على حوارة - فشل الثلاثة، ولو كان فشل بار أقل. وحتى الوعود التي أصدرها قائد المنطقة الوسطى في الجيش يهودا فوكس، بأنه "سنحاسب المخلين بالنظام"، تبين سريعاً أنها فارغة من المضمون. الشرطة لم تنجح حتى الآن في الحصول على أدلة، ولذلك، تم تسريح جميع المعتقلين، باستثناء اثنين منهم تم تحويلهما إلى الاعتقال الإداري لأربعة أشهر، بتوصية من "الشاباك".
- عندما يدور الحديث حول تظاهرات للحريديم واليهود من أصول أثيوبية، أو المتظاهرين ضد الانقلاب الدستوري، أو لمجرد مواطنين عاديين، تظهر قوة الشرطة. أما عند الحديث عن مستوطنين عنيفين، فإنها تتجاهل. "الشاباك" أيضاً فشل في مهمته الأساسية: التحذير من الخطر المقبل. لم يكن هناك حاجة إلى أن يكون الإنسان جيمس بوند ليفهم أن المستوطنين سينتقمون بعد قتل الأخوة هيلل وياغيل يانيف. لقد قاموا بذلك، المرة تلو الأُخرى، ولم تكن المرة الأولى. وأكثر من ذلك، فإن الذين يعملون في "المكتب اليهودي" في "الشاباك" يعلمون جيداً بأن أيام ما قبل عيد المساخر هي أيام هجوم لدى المستوطنين، مثل رمضان لدى الفلسطينيين، مع فارق واحد: دائماً يحذرون من رمضان مسبقاً. الإرهاب من طرف المستوطنين دائماً ما يبدو مفاجئاً. لقد حان الوقت لأن يفهموا أن المستوطنين العنيفين هم تهديد لوجود إسرائيل، حتى أكثر من "الإرهاب" الفلسطيني.
- إن الفشل الأكبر خلال "ليلة البلور" اليهودية - الإسرائيلية هذه، هو فشل الجيش. لساعات طويلة، هاجم مئات المستوطنين المتعطشين للدم حوارة والقرى المجاورة لها، كبورين مثلاً. أحرقوا المنازل على سكانها، وأحرقوا المركبات، وهدموا حوانيت. موت فلسطيني واحد في هذه الليلة كان معجزة. الجيش لم يكن جاهزاً، ولم يقدّر بالشكل الصحيح، وفي النهاية، لم يرد أيضاً على المذبحة. الفشل الإضافي كان في منح قائد المنطقة الوسطى يهودا فوكس المسؤولية عن التحقيق. هذا كالذي يمنح القط مهمة حراسة الحليب. صحيح أن فوكس اعترف بفشله بشكل شخصي، لكن التحقيق الذي سلّمه لرئيس هيئة الأركان هذا الأسبوع يبدو كمجموعة من التبريرات. فمن جهة، ما جرى هو "حدث كبير وخطِر جداً يجب منعه،" ومن جهة أُخرى، "تبين أن حجم الهجوم وقوته كانا استثنائيين نسبة إلى ما كان يحدث سابقاً. لذلك، لم يكن هناك ما يكفي من القوات للتعامل مع الحدث وملاحقة منفّذ العملية والدفاع من ‹الإرهاب›، وأيضاً منع الهجمات العنيفة."
- جاء في بيان الناطق الرسمي بلسان الجيش أنه تم استخلاص العبر في منطقة القيادة الوسطى بشأن التعاون بين الجيش والشرطة و"الشاباك" و"حرس الحدود"، وأيضاً بشأن التحضير وتعزيز القوات بشكل أسرع عندما يكون هناك تخوُّف من وضع خطِر كما حدث. هل تم استخلاص العبر فعلاً؟ ليس كما يجب. بعد ذلك بأيام، خلال عيد المساخر ذاته، عاد الذين يعتقدون ويتصرفون وكأنهم سادة الأرض، وهاجموا مرة أُخرى. ومرة أُخرى وقف الجيش جانباً. وإن كان هذا غير كافٍ، فإن بعض الجنود من وحدة "غفعاتي" انضم إلى الرقص مع المستوطنين، كما كانوا أخوة في السلاح.
- بعد الهجوم على حوارة، تطرّق رئيس هيئة الأركان هليفي بأقوال كبيرة إلى ما حدث، وكان نقدياً تجاه الجيش، إلا إن أقواله لم تلحقها أي أفعال. بعد أن قام سلفه، كوخافي، وعلى مدار 4 أعوام، بالتغطية من خلال التحقيقات على حوادث الجيش والسلوكيات غير اللائقة من طرف الجنود، وحتى أنه قام بترقية جنود وضباط انزاحوا عن التعليمات، كان متوقعاً من هليفي أن يكون مختلفاً. سلوكه يشير إلى أنه يسير على ذات طريق عدم استخلاص العبر من حوادث استثنائية. هليفي صادق أيضاً على التحقيق الذي لا يوجد فيه ولا أي قرار قيادي أو خطوات جدية. التعامل يشبه، إلى حد بعيد، قول أمير أوحانا، حين كان وزيراً للأمن الداخلي وحدثت كارثة ميرون: "أنا مسؤول؛ ولكنني لست متهماً." لا توجد مسؤولية من دون تهمة.
- وفي خلفية هذا كله، هناك المقولة المذهلة والمخجلة التي قالها هليفي، وبحسبها، "في السيناريو الأسوأ... من الأفضل أن يكون هناك ديكتاتورية آمنة، من وجود فوضى غير محمية،" والتي تشير إلى ضياع وبلبلة. إنه يفضل الديكتاتورية، والمهم أن يكون الجيش قوياً، وحتى لو جاء كلامه رداً على سؤال خيالي، تفوح منه رائحة الفاشية. صحيح أن هليفي اعتذر عنها وقال إنه كان من الخطأ قولها، ولكن مجرد حقيقة أن رئيس هيئة الأركان يستطيع التفكير بهذه الطريقة، والأسوأ أن يقولها خلال جلسة مع جنود في جيش الاحتياط هو شيء مرعب. عادةً، يتم منح مَن يتولى رئاسة هيئة الأركان 100 يوم من الرحمة، لم يتبقّ لهليفي منها إلّا 20 يوماً لكي يسيطر على نفسه.