لا علاقة لإسرائيل بالتقارب السعودي-الإيراني
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

 

  • بعد إعلان تجديد العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، بدأت فوراً عملية تبادُل اتهامات بين السياسيين في إسرائيل. فقد اتهم مصدر سياسي كبير في روما، يحتفل بعيد زواجه بالصدفة هناك، يائير لبيد ونفتالي بينت بأن التقارب بين الرياض وطهران بدأ خلال ولايتهما. أما بينت ولبيد، فادّعيا أن بنيامين نتنياهو مشغول بالانقلاب القضائي لدرجة أنه لم يعد يكرس الوقت الكافي للقضايا الاستراتيجية، أو الاهتمام المطلوب بها، وعلى رأسها وقف المشروع النووي الإيراني-قضيته الأساسية.
  • هناك شيء من الحقيقة في كل الادعاءات المتبادلة، وفي جميع الأحوال، هي ادعاءات ليست ذات صلة. إسرائيل، كعادتها، مقتنعة بأنها مركز الشرق الأوسط، إن لم يكن العالم برمته. ولكن يبدو أن ما يقف خلف اتجاه التقارب الجديد، بعد 7 أعوام من الانقطاع، هو حسابات باردة للخصمين التاريخيين، تقريباً لا علاقة لها بإسرائيل بتاتاً. وبحسب ما يدّعي نتنياهو، إن الإشارات الفعلية بدأت تتراكم منذ حكومة لبيد-بينت (ويجب الإشارة إلى أن المفاوضات بدأت منذ نهاية ولاية نتنياهو السابقة أيضاً). لكن لم يكن لدى إسرائيل ما تقوم به لإقناع السعوديين بالتراجع.
  • المصالحة تنبع بالأساس من تبادُل نوبات بين القوى العظمى، وليس بين حكومات إسرائيل. منذ أعوام، والولايات المتحدة تشير إلى أنها تنوي تقليص تدخّلها في الشرق الأوسط، في الوقت الذي يزداد اهتمام الصين بما يحدث فيه. والصينيون كانوا الوسطاء المركزيين خلال جولة المفاوضات الأخيرة التي تكللت بالنجاح. الصرخة التحذيرية للسعودية جاءت خلال إدارة دونالد ترامب، الذي كان صديقاً حميماً للمملكة. وتحديداً في سنة 2019، عندما هاجم الإيرانيون شركة "أرامكو" بواسطة المسيّرات والصواريخ، وامتنعت أميركا من الرد.
  • السلطة الحاكمة في الإمارات العربية المتحدة كانت أول مَن استنتج الدروس، عندما انسحبت من الحرب ضد الحوثيين، حلفاء إيران، بعد وقت قصير من الهجوم على "أرامكو". الآن، عندما فهم السعوديون أن الولايات المتحدة لن تقاتل إيران من أجلهم، أدركوا أيضاً أن الصين مستعدة لأن تكون وسيطاً للتقارب، في الوقت الذي تستمر إيران في تعزيز قوتها كقوة عسكرية إقليمية. لذلك، يبدو منطقياً أنهم اختاروا الصلح، على الرغم من الكراهية بين الطرفين، والتنافس المستمر على الهيمنة في الشرق الأوسط.
  • وحتى بعد هذا القرار الذي لم ينفَّذ بعد، فإن احتمالات التطبيع الإسرائيلية-السعودية لم تُعدَم. الشروط السعودية التي تم نشرها في "هآرتس" خلال كانون الأول/ديسمبر الماضي، واقتبستها الصحافة الأميركية يوم الخميس الماضي، موجهة بالأساس إلى الولايات المتحدة، وليس إلى إسرائيل. فوليّ العهد السعودي محمد بن سلمان يريد حلفاً علنياً مع واشنطن، مشابهاً لعضوية حلف "الناتو" من أجل شراء أسلحة أميركية متطورة، وضوء أخضر من البيت الأبيض لمشروع نووي مدني. وفي هذه الخلفية، ولو بأهمية أقل، المسار السياسي مع الفلسطينيين، الذي يرفض نتنياهو الدفع به قدماً منذ أعوام. تستطيع الرياض تجاهُل ما يجري في الضفة بلباقة، ولكن إذا عاد المسجد الأقصى إلى مركز المواجهة، فمن المشكوك فيه أن تتجاهل ذلك.
  • قبل أن يركز جهوده جميعها في الانقلاب القضائي، سوّق نتنياهو إعلانين استراتيجيين سيقوم بهما بعد عودته إلى الحكم. وكلاهما مترابط: الأول هو تطبيع كامل مع السعودية؛ والثاني حلّ التهديد النووي الإيراني، مع التلميح بأنه سيكون عسكرياً. إن كان هناك مَن توقّع أن يقاتل الطيارون السعوديون من أجلنا في إيران، فهذه التوقعات انهارت منذ زمن. أما بخصوص الهجوم العسكري الإسرائيلي، فعلى الرغم من النهج الهجومي الذي تبنّته إدارة بايدن مؤخراً ضد المشروع النووي الإيراني، فإن القطار الجوي الذي حمل المسؤولين الأميركيين إلى هنا خلال الأشهر الأخيرة، يبدو أنه جاء ليضمن العكس: أن لا تقوم إسرائيل بالعمل ضد إيران بأي شكل من الأشكال، من دون إذن أميركي.
  • بعد فترة صعبة، تقوم طهران مؤخراً بتعزيز مكانتها الاستراتيجية. الخطوة الأهم الأولى كانت التقارب مع روسيا، وذلك على الرغم من الثمن الذي دفعته، وهو البرودة من الغرب، بسبب المساعدة العسكرية التي تقدمها للروس في حربهم في أوكرانيا. الخطوة الثانية هي المصالحة مع السعودية، مع التشديد على أن الصين طرف مركزي في الاتفاق.
  • في الوقت نفسه، لا تزال إيران تتقدم نحو الخط الأحمر الذي وضعه الغرب وإسرائيل سابقاً-تخصيب يورانيوم عسكري بنسبة 90%.
  • الأحداث خلال الأشهر الأخيرة تكشف حجم الأقوال من دون رصيد التي وزعها نتنياهو بشأن الموضوع الإيراني. وفانتازيا نتنياهو بإنشاء حلف إسرائيلي-سنّي لوقف إيران، إلى درجة شنّ هجوم مشترك، تتبدد شيئاً فشيئاً. ويبدو أن هذه الوعود ستتحقق بنفس درجة وعود "ضم منذ اليوم الأول" التي وزعها للمستوطنين في سنة 2020، خلال طرح "صفقة القرن" الخاصة بالرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. فهذا الحلف يبدو "واقعياً" بالدرجة نفسها التي يبدو فيها ضم الضفة "واقعياً"!