هذا انقلاب واضح... إسرائيل على طريق الديكتاتورية
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

 

  • ما تقوم به الحكومة الحالية في إسرائيل ليس إصلاحات قضائية، إنه انقلاب. هناك نوعان أساسيان من الانقلابات في التاريخ. النوع الأول هو "انقلاب من الأسفل". هذا النوع سهل التشخيص. على سبيل المثال، قرر "الجنرال سترونغمان" [الرجل القوي] المتعطش للسلطة في جمهورية الموز، أن يسيطر على الحكم. ينهض المواطنون صباحاً، ويجدون الدبابات في شوارع المدينة. كتيبة عسكرية تسيطر على البرلمان وتطلق النار على المبنى المحاصر. وفي الوقت نفسه، تقتحم كتيبة من المظليين بيت رئيس الحكومة، تكبّله وتحمله إلى سجن عسكري. كتيبة مظليين إضافية تسيطر على هيئة البث المركزية، ويرى المواطنون في الساعة الثامنة صباحاً "الجنرال سترونغمان"، بأوسمته المذهبة، يعلن سيطرته على الحكم لـ"مصلحة الشعب".
  • عموماً، هذه هي الصورة التي نستحضرها حين نتخيل انقلاباً كهذا من "الأسفل". إلا أنه وعلى مدار التاريخ، انتشر نوع آخر من الانقلابات-انقلاب من الأعلى. هذا هو النوع الصعب التشخيص. الانقلاب من الأعلى يحدث حين تقرر الحكومة، التي وصلت إلى الحكم بطريقة قانونية، إلغاء جميع القيود التي يفرضها عليها القانون، وتحاول الحصول على سلطة مطلقة. هذه لعبة قديمة: في البداية يستخدمون القانون للوصول إلى القوة، ثم يستخدمون القوة لتغيير القانون.
  • عندما يحدث الانقلاب من الأعلى، فإنه يخلق حالة بلبلة. على السطح، يبدو كل شيء طبيعياً. لا توجد دبابات في الشوارع، ولا يقطع أي جنرال بأوسمة البث في التلفاز. يحدث الانقلاب في الغرف المغلقة، عبر تمرير قوانين وتوقيع قرارات قادرة على إزالة جميع الكوابح والتوازنات. الحكومة طبعاً لا تعلن أنها تقوم بانقلاب. تدّعي أنها فقط تقوم بـ"تغييرات" كهذه أو تلك لـ"مصلحة الشعب". إذاً، كيف نتأكد ما إذا كان هذا انقلاب أم إصلاحات؟
  • إن الطريقة الأبسط هي السؤال: ما هو الشيء الذي يحدّ من قوة الحكومة؟ الإصلاحات هي حالة تقوم فيها الحكومة بتغييرات جدية، لكنها تحترم حدود قوتها. وحتى بعد القيام بالإصلاحات، لا تستطيع الحكومة القيام بكل ما تريده. الانقلاب، هو حالة تحاول فيها الحكومة الوصول إلى قوة مطلقة. إذا نجح الانقلاب، فهذا يعني أنه لم يعد هناك أي قيود على الحكومة.
  • وبحسب هذا السؤال، من الواضح أن ما يجري في إسرائيل انقلاب، وليس إصلاحات. الحكومة تحاول بلبلة الجمهور، عبر تركيز النقاش الإعلامي بأسئلة قانونية مركّبة، مثل "ما هي تشكيلة لجنة تعيين القضاة؟" ممنوع على الجمهور الانجرار إلى هذه المساحات الخاطئة. وبدلاً من ذلك، علينا أن نؤكد، المرة تلو الأُخرى، هذا السؤال: "ما الذي يحدد قوة الحكومة في النظام الجديد؟" لنفترض أن الأعضاء الـ61 في الائتلاف الحاكم يقررون نزع حق التصويت من العرب-هل يوجد أي شيء في النظام الجديد يمنعهم من ذلك؟
  • في ديمقراطيات أُخرى، يوجد الكثير من الجهات التي يمكنها وقف قانون عنصري وغير ديمقراطي كهذا. في إسرائيل، حتى كتابة هذه السطور، توجد فقط جهة واحدة-المحكمة العليا. إذا صوّت 61 عضو كنيست لمصلحة نزع حق التصويت من العرب، أو لمصلحة منع الحق في الإضراب، أو لمصلحة إغلاق جميع الصحف أو القنوات التلفزيونية المعارضة للحكومة، فإن المحكمة العليا هي الجهة الوحيدة المخوّلة التدخل وإلغاء هذه القوانين.
  • ما تحاول الحكومة القيام به هو تفكيك هذه الجهة الوحيدة القادرة على تقييدها. داعمو الحكومة يستطيعون الادعاء أنه حتى وبعد إخصاء المحكمة العليا، لا تزال هناك منظومة مهمة تفرض قيوداً على الحكومة-الانتخابات. المهم هو رأي الجمهور فيما تقوم به الحكومة، ويستطيع الجمهور تغيير الحكومة في الانتخابات. هذا الادعاء لا يصمد.
  • أولاً، هذا الادعاء لا يوفر أي حماية لحقوق الأقلية. وثانياً، في النظام الجديد، يستطيع أعضاء الائتلاف الـ61 تغيير طريقة الانتخابات ذاتها، وأن يصعّبوا كثيراً تغيير الحكومة. في حال شعر الائتلاف بأنه سيخسر الانتخابات، فأي جهة ستمنع قيام الائتلاف بمنع ترشُّح قوائم معارضة للانتخابات، أو يخترع أي لعبة تضمن فوزه؟
  • طبعاً، لا يوجد شيء مقدس، وتحديداً في كل ما يخص المحكمة العليا. المهم هو الجوهر، وليس الأداة. إذا اقترحت الحكومة منظومات بديلة تقيد قوتها بدلاً من المحكمة العليا التي تُضعفها، فيمكن التصديق أنها تقوم بإصلاحات. ولكن الحكومة لا تقترح أي جهة بديلة كهذه. عندما يسألون قيادات الانقلاب عما سيقيد قوة الحكومة في النظام الجديد، الرد الوحيد هو "حسن نيتنا، اعتمدوا علينا". هذا هو جواب الديكتاتوريين الكلاسيكي بشكل عام. فـ "الجنرال سترونغمان" أيضاً، الذي سيطر على الحكم بالدبابات، يقول في خطابه للأمة: "اعتمدوا عليّ. أنا سأدافع عنكم. أنا سأهتم بكم." بالنسبة إلى المواطنين، فلا أهمية ما إذا كان الانقلاب عبر التشريع أو الدبابات، فالمشترك بين جميع الطرق هو أن مصيرهم يتعلق بحسن نية الحاكم. في الحالتين، النتيجة هي ديكتاتورية. عندما يكون الأمر الوحيد الذي يفرض القيود على الحكومة هو حسن نيتها-فهذه ديكتاتورية.
  • وعلى الرغم من هذا كله، فإن هناك اختلافاً جوهرياً بين ديكتاتورية من "الأسفل"، عبر الدبابات، وبين ديكتاتورية من "الأعلى"، عبر مسارات تشريعية. عندما يحلّ الانقلاب من الأسفل، هناك قوات ومنظومات كثيرة وظيفتها إيقافه: الجيش والشرطة والاستخبارات. تستطيع الحكومة توجيه أوامرها إلى هذه الجهات وتطلب المساعدة لوقف "الجنرال سترونغمان". ولكن عندما تكون الحكومة هي التي تقوم بالانقلاب، فيكون من الصعب على الشرطة والاستخبارات الوقوف في وجهها، لأنهم اعتادوا الانصياع لأوامرها. في هذه الحالة، فإن وظيفة المواطنين هي وقف الحكومة ومنعها من الوصول إلى القوة المطلقة.
  • كيف نعرف أننا نجحنا في وقف الانقلاب، ويمكن وقف الاحتجاجات والموافقة على تسوية معينة؟ هناك أهمية كبيرة للتدقيق القانوني، وسيكون هناك الكثير من العمل أمام الخبراء في المجال. ولكن السؤال الأهم، وعلى كلٍّ منا أن يسأله في كل تسوية مقترحة، هو: ما هي القيود المفروضة على قوة الحكومة؟ إذا أراد 61 نائباً في البرلمان منع العرب من التصويت، أو إغلاق صحف المعارضة، أو إرسال النساء غير المحتشمات إلى السجن-ما هو النظام الذي سيمنع ذلك؟ علينا أن نعارض بقوة كل تسوية لا تضمن هذه القيود على قوة الحكومة، وعلينا أن نقول لنتنياهو وليفين وروتمان والأصدقاء بشكل واضح وحاد: أوقفوا الانقلاب، أو نوقف الدولة.