إيران معنية بتغيير ميزان الردع من خلال "أذرعها" وعلى رأسها الجهاد الإسلامي الفلسطيني
تاريخ المقال
المصدر
مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية
تأسس في سنة 1993 على يد الدكتور توماس هيكت، وهو من زعماء اليهود في كندا، وكان تابعاً لجامعة بار إيلان، وأُطلق عليه هذا الاسم تخليداً لذكرى اتفاق السلام الإسرائيلي -المصري الذي وقّعه مناحيم بيغن وأنور السادات. يعالج مسائل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني والصراعات في المنطقة والعالم. يميل نحو وجهة نظر اليمين في إسرائيل. كما أصدر المركز مئات الدراسات والكتب باللغتين العبرية والإنكليزية.
- يمكن القول إن اغتيال خلية الجهاد الإسلامي الفلسطيني في جنين يوم 26 كانون الثاني/يناير الماضي، والتي كان من بين أعضائها أحد قادة كتيبة جنين التابعة للجهاد الإسلامي، صلاح عز الدين، يسلَّط الضوء من جديد على نشاط الجهاد الإسلامي كحركة تعمل على تغيير الترتيبات الإقليمية، وذلك من خلال نشاطها كـ"ذراع" تخدم المصلحة الإيرانية. وهو ما يجب أن يضاف إليه تهديد الجهاد الإسلامي، في مطلع آب/أغسطس 2022، بالرد الحاد على إسرائيل إن لم تحرّر الشيخ بسام السعدي، وهو ما أدى إلى حملة "مطلع الفجر" (5-7 آب/أغسطس).
- ويشير ارتفاع وتيرة عمل الجهاد الإسلامي في شمال الضفة، وتحديداً جنين، إلى أن إيران معنية بتغيير ميزان الردع من خلال "أذرعها". تهديدات حزب الله أيضاً، قبيل توقيع الاتفاق البحري، بضرب منصة "كاريش"، وتهديدات "حماس" في "يوم القدس" الأخير لإسرائيل بألا تسمح بـ"مسيرة الأعلام"، تشكل أيضاً إشارة إلى الجهد الإيراني المبذول للعمل في الساحة الفلسطينية ضد إسرائيل، حيث يعتقدون أنها خاصرة إسرائيل الضعيفة. القاسم المشترك بين جميع التنظيمات المذكورة (حماس، الجهاد، حزب الله)، هو أنهم جميعاً يحصلون على مساعدات عسكرية من إيران ويتلقون منها الدعم. ومن خلال "التنظيمات الإرهابية" التي فرضت رعايتها عليها، نجحت إيران في خلق جبهة واسعة من التنظيمات التي تضم الحوثيين في اليمن وميليشيات شيعية في العراق وسورية. وتحاول "أذرع" إيران صوغ معادلة جديدة في مقابل إسرائيل التي تريد الهدوء، وليس الحملات العسكرية، إلّا إن "الهدوء" في الشرق الأوسط هو مفهوم واسع جداً.
- تأسست حركة الجهاد الإسلامي بتأثير إيراني في بداية الثمانينيات. حتى أن مؤسس الحركة د. فتحي الشقاقي ألّف كتاب "خامنئي والحل الإسلامي". ويرى الكتاب في الثورة الإيرانية نموذجاً من ثورة إسلامية شاملة تؤدي إلى نهضة إسلامية شاملة. ومنذ تأسيسها، نفّذت الحركة عدة عمليات "إرهابية"، وكانت إيران تزودها بالبنية اللوجستية للسلاح والذخيرة والأموال والإرشاد للكوادر. نشطاء الحركة في غزة يتفاخرون بنوعية الأسلحة المتطورة والمسيّرات التي يملكونها، بعضها تصنيع محلي، وآخر بتكنولوجيا إيرانية. ومنذ الثمانينيات، وبعد سلسلة خطوات إسرائيلية، تقيم قيادة التنظيم وقائده الحالي زياد النخالة بسورية. الجهاد الإسلامي لا يملك بنية دعوية كتلك الواسعة التي لدى "حماس"، ويركز بالأساس على العمل العسكري ضد إسرائيل. وبحسب قياداته، "المقاومة هي الخيار الوحيد الذي يمكن أن يعيد إلى شعبنا حقوقه."
- تعبّر حركة "الجهاد الإسلامي"، المرة تلو الأخرى، وعلناً، عن رأيها عبر المواقع المختلفة في أن الجهاد والنضال ضد إسرائيل هو "أبديّ حتى النصر". وبحسب الناطقين باسمها، الحديث يدور حول واجب ديني وقومي. نشاط الجهاد أيضاً في الضفة الغربية مبني على نمط كتائب موزعة، كجنين وطولكرم، وأخرى على النمط الموجود في غزة ذاته. في 22 آب/ أغسطس 2022، ومن خلال "سرايا القدس"، الذراع العسكرية للحركة، أعلن التنظيم أن استمرار الجهاد سيكون حتى النصر على العدو. هذا الإعلان جاء في أعقاب اغتيال الناشط في التنظيم ضرار الكفريني، البالغ من العمر 17 عاماً. هذه الإعلانات متوفرة بكثرة على المواقع، وفي كل الأحوال، لا يحتاج الجهاد الإسلامي إلى مبرر لتهديد إسرائيل، أو إلحاق الضرر بها. لذلك، يبدو أن زيادة التوتر، وحتى فائض النشاط الذي يتمتع به التنظيم، ينبعان من مكان آخر وأعمق، ويرتبطان بإيران.
- عزّز الجهاد الإسلامي قوته وتسليحه منذ حملة "الجرف الصامد" في سنة 2014، ويشعرون الآن في التنظيم أن لديهم القدرة على التصدي لقدرات الجيش المختلفة كما جاءت خلال الحرب، وتمت تسمية الحملة فلسطينياً "البنيان المرصوص"، وفي البيان الذي أصدره التنظيم في تموز/يوليو 2022، عاد وافتخر بإنجازاته وبالنصر. يبدو أن الجهاد الإسلامي عزّز قوته وقدراته، بمساعدة ودعم إيران. نشاط الجهاد الإسلامي يمنحه المزيد والمزيد من الشرعية في المجتمع الفلسطيني، ونشاطه في جنين يندرج تحت إطار "وحدة الساحات" التي تبنّاها خلال العام الماضي. وليس صدفة أن الجهاد اختار إطلاق الاسم نفسه على حملة "مطلع الفجر" في سنة 2022، حيث قُتل خلالها اثنان من أبرز قادته. وفي 5 كانون الثاني/يناير، شدد زياد النخالة على أن النموذج والقدوة لمقاتلي الجهاد هما روح قاسم سليماني، كما يرى في سليماني شهيداً بطلاً، ومقاتلاً شجاعاً لديه إرث في كل جبهات المقاومة وأذرعها. سليماني هو قائد الحرس الثوري الذي اغتالته الولايات المتحدة في كانون الثاني/يناير 2020. وفي موقع الجهاد الإسلامي، تظهر رغبة التنظيم في تنفيذ عمليات في ذكرى اغتياله. وفي المؤتمر نفسه، عبّر نخالة عن تقديره للأخ الحبيب والقائد الكبير كريم يونس الذي تحرر من السجن قبل شهر تقريباً، بعد 40 عاماً من الأسر بسبب قتل الجندي آفي برومبيرغ سنة 1980.
- تهديدات الجهاد الإسلامي بمهاجمة إسرائيل في حال لم تقُم بتحرير الشيخ السعدي، المسؤول في الحركة في جنين، كانت المرة الأولى التي وضعت فيها الحركة أمام إسرائيل تهديداً واضحاً، وباللغة العبرية، عبر وسائل الإعلام. وحينها، شدد الجهاد الإسلامي على حالة الشيخ السعدي الصحية، ورفض المحكمة تصوير الأضرار الجسدية التي لحقت به. وجاء في بيان "سرايا القدس" الصادر يوم 1 آب/أغسطس 2022: "نعلن إجراء تعبئة شاملة ورفع الجاهزية العملياتية لتأدية واجبنا ضد العدو الخائن الذي اعتدى على القائد الكبير الشيخ بسام السعدي وعائلته قبل وقت قصير في جنين". ويوم 3 آب/أغسطس، نشر زياد النخالة أن "أطر المقاومة في قطاع غزة قوية، وأن قوة المقاومة توسعت، ولديها قوات كبيرة." أقواله هذه جاءت في إطار لقاء جمعه بوزير الخارجية الإيراني في طهران حسين أمير عبد اللهيان. وأضاف في هذا اللقاء أنه "على فصائل المقاومة أن تتوحد بشكل طارئ من أجل تقوية المقاومة الإسلامية للشعب الفلسطيني." وشدد على "الدور المركزي الذي تلعبه الجمهورية الإسلامية (إيران) وسورية والمقاومة اللبنانية في دعم جبهة المقاومة الفلسطينية." زيارة النخالة إلى إيران لم تكن صدفة، ويمكن أن تكون مخططة مسبقاً مع توقيت المعركة أيضاً.
- يبدو أن اعتقال السعدي كان مجرد المبرر الذي استعملته أذرع إيران لبدء حملة عسكرية محلية ضد إسرائيل. ويبدو أيضاً أن الهدف من اللقاء ما بين نخالة والمسؤولين الإيرانيين كان تحضير الأرضية لمواجهات واسعة إضافية في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، وتنضم إليها "حماس". تهديدات الجهاد لا تزال موجودة على موقعه في أعقاب اغتيال نشطاء التنظيم في جنين، ومن ضمنهم أبناء الشيخ بسام السعدي الذين باتوا نشطاء معروفين في الجهاد الإسلامي. أما بخصوص التهديدات باللغة العبرية، فإنها تظهر في شبكة "فايسبوك"، وتنص على أن "أبناء الجهاد الإسلامي سيصلون". قدرة الجهاد على نشر تهديدات بالعبرية هي جزء من رؤية الحرب النفسية التي يحصل التنظيم لقاءها على الكثير من الأموال من إيران.
- إن الجهاد الإسلامي الفلسطيني ليس فقط تنظيماً عسكرياً لديه رؤية إسلامية واسعة مع بُعد قومي فلسطيني، والتنظيم لا يعمل في الفراغ. التهديد الذي يشكله الجهاد اليوم ينضم إلى التهديدات من طرف حزب الله و"حماس"، ويشكل حلقة في محاولة "محور المقاومة" لخلق معادلة استراتيجية جديدة مع إسرائيل وشكل من أشكال الابتزاز. الهدوء على حدودنا، وفي القدس والضفة الغربية، سيكون منوطاً بتنازلات جدية وضرر يلحق بالسيادة الإسرائيلية وحرية عمل الجيش. صراع الجهاد الإسلامي ضد دولة إسرائيل مشتق من المصالح الإيرانية في تصعيد الساحة في الضفة الغربية، وضمنها القدس الشرقية، وخصوصاً عشية رمضان القريب. لنشاطات الجهاد الإسلامي قدرة على تأزيم الوضع الأمني، والدفع في اتجاه وقف التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية. لذلك، على متخذي القرار أن يفهموا جوهر الصراع الحالي، وأن يستمروا في العمل لمنع تمركز الجهاد الإسلامي كقوة مركزية في الضفة، وذلك لمنع "وحدة الساحات" التي تسعى إيران لها من خلال "أذرعها"، وعلى رأسها الجهاد الإسلامي الخاضع لها.