في المصادقة على البناء الاستيطاني، نتنياهو يختار إرضاء سموتريتش على حساب أميركا
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • ليس من الصعب تخيُّل ما كانت ستقوم به معارضة يمينية، بعد الأحداث الذي جرت خلال الأسابيع الماضية على الساحة الفلسطينية، لو كانت لا تزال حكومة "يسار - وسط" في الحكم. فمنذ بداية العام الحالي، ومع تأليف الحكومة الجديدة، قُتل 10 مواطنين في عمليتين، وحدثت عدة عمليات طعن في الضفة، بالإضافة إلى إطلاق ما يقارب 30 قذيفة من قطاع غزة. قتيل إضافي هو شرطي "حرس الحدود" أسيل سواعد، الذي تم إطلاق النار عليه بالخطأ من حارس مدني خلال محاولة تنفيذ عملية أول أمس (الاثنين) على حاجز شعفاط.
  • عملياً، لا يوجد فرق حقيقي في العمليات العسكرية التي قامت بها الحكومتان. فترة "الإرهاب" الحالية، التي لا يمكن تسميتها "موجة" فقط، بدأت في آذار/مارس من العام الماضي، خلال ولاية الحكومة السابقة. من جانبها، ردت إسرائيل بتعزيز قواتها في الضفة الغربية، وحملات اعتقالات واسعة، وترميم الجدار الفاصل ومنطقة خط التماس - وحققت إنجازات محدودة فقط. وبحسب المؤسسة الأمنية، فإن خطواتها الهجومية والدفاعية، منعت الكثير من العمليات الواسعة. وهناك ادّعاء آخر يشير إلى أن الاحتكاك المباشر في أماكن، كجنين ونابلس، لا يردع بالضرورة "المخربين" المقبلين، بل يدفع إلى الانتقام، ويعزز دائرة الدم.
  • خلال النقاشات مع المستوى السياسي، تطرح أجهزة الأمن، وضمنها الجيش والشاباك والشرطة، موقفاً مشابهاً: دعونا نقوم بما قمنا به حتى الآن - اعتقالات، وتعزيز قوات وعمل استخباراتي صبور. النتائج ستصل تباعاً. كل محاولة لفرض عقاب جماعي على الفلسطينيين، أو إعلان القيام بحملة عسكرية وشرطية كبيرة (على نمط السور الواقي 2 وما يشابهه)، سترتد علينا، ويمكن أن تؤدي إلى الانفجار، عشية شهر رمضان، بعد 5 أسابيع. هذا التوجه يحظى بدعم مَن يقوم بوضع السياسات فعلاً - رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت. لذلك، حتى اللحظة، لم يحدث أي تغيير حقيقي في الخطوات الإسرائيلية لكبح الهجمات.
  • لكن، وفي الوقت نفسه، نتنياهو يرتبط بشركائه من اليمين المتطرف ليستمر في هجومه على طريقة الحكم "الديمقراطية"، في إطار الانقلاب القضائي. ولأنه لا يريد أن يزعزع الوضع العسكري، فإنه يعوّض عن ذلك بخطوات استثنائية في مجال الاستيطان. هذا هو السبب الذي دفعه الأسبوع الماضي إلى المصادقة على خطوات واسعة في الكابينيت في مجال توسيع البناء الاستيطاني في الضفة: المصادقة على تشريع 9 بؤر غير قانونية، ستتحول بشكل استثنائي بقرار الحكومة إلى بلدات كاملة، وبدء الدفع بخطة واسعة لبناء 9000 وحدة استيطانية. هذه الخطوات ستكلف الكثير من المواجهة مع الإدارة الأميركية والدول الأوروبية، ويبدو أن الأهم بالنسبة إلى نتنياهو، هو شعور وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بالرضى.
  • يبدو أن مَن يواجه صعوبات في الموازنة ما بين اللهجة الحادة للحكومة تجاه الفلسطينيين وبين سياساتها العملية، هو العضو الجديد في الحكومة، وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير. الوزير المسؤول عن الشرطة يُغرق نتنياهو بالطلبات والمبادرات إلى عمليات جديدة، ولا يحصل على ردود إيجابية إلاّ في القليل من الأحيان. وكبديل من ذلك، يحاول تضخيم العمليات التي تجري ويعطيها أبعاداً دراماتيكية، إذ يقوم بتصوير كل عملية اعتقال روتينية، أو هدم منزل في شرقي القدس، على أنه رد صهيوني حاد ضد "الإرهاب". أما بشأن كل ما يخص "مصلحة السجون" الموجودة تحت صلاحيته، فإنه يختار في كل فرصة طريقة العمل الأكثر سخافة. في الأسبوع الماضي، كان القرار الذي منع الأسرى من الخبيز؛ وبالأمس، تم نشر قرارات إضافية: المياه الساخنة في حمامات الأسرى "الأمنيين" ستحدد بـ4 دقائق فقط. وهذا، بعد الحديث عن صدمة الوزير عندما عرف بكميات "التبذير" في المياه في الأقسام "الأمنية" في السجون.
  • يمكن السخرية من اهتمامات وزير الأمن القومي السخيفة. بن غفير يستخدم صحافيين مضللين إلى حد ما، منذ أن كان ناشطاً في شباب كهانا في منتصف التسعينيات. والآن أيضاً، حصل في أعقاب القرارين على عنوانين في الصفحة الأولى يقدمان له الثناء، الأول في صحيفة "إسرائيل اليوم"، والثاني في "يديعوت أحرونوت".
  • إذا كانت هذه هي المشكلة، فيمكن تجاهُل استفزازاته والعودة إلى الروتين. لكن ما يقوم به بن غفير له أثمان. عندما صمم على "زيارة" المسجد الأقصى، في بداية كانون الثاني/يناير، كان الثمن إلغاء زيارة نتنياهو إلى الإمارات، وهي زيارة أرادها بشدة. أما الأسرى الفلسطينيون، فيهددون الآن بإعلان إضراب، عشية شهر رمضان، احتجاجاً على التضييقات.
  • من الممكن أن يحدث ما حدث سابقاً، تتدخل الاستخبارات المصرية بهدوء من وراء الكواليس، لتهدئة الفلسطينيين وعدم أخذ تهديدات بن غفير بجدية، ويتم وقف الإضراب. ولكن دائماً يجب الأخذ بعين الاعتبار أن الأمور يمكن أن تخرج عن السيطرة، وخصوصاً أن نتنياهو مشغول بالكثير من المهمات والمبادرات. التاريخ يثبت أنه، وفي أغلب الأحيان، ينجر الإسرائيليون والفلسطينيون إلى مواجهة عسكرية، من دون قرار أو خطة مسبقة، إنما كنتيجة لسلسلة من التراكمات والمواجهات المحلية التي تؤدي إلى التصعيد بالتدريج.

هدف ذاتي آخر

  • إن لم يكن هذا كافياً، يبدو أن بن غفير أراد المساهمة أيضاً في الحادثة المخجلة في الخليل. الجيش، مؤسسة تصر أحياناً على عدم التعلم من أخطائها، وقع في الفخ ذاته للمرة الثانية، حين قام جندي من وحدة "غولاني" بالاعتداء أول أمس على الناشط الفلسطيني، ابن الخليل، عيسى عمرو. إذا كان اسم الفلسطيني مألوفاً، فذلك لأنه كان مرشداً قبل شهرين تقريباً لجولة قامت بها مجموعة إسرائيليين، ناشطي سلام متدينين، وجرت مناوشات بينه وبين جنود من وحدة "غفعاتي"، فاعتدى عليه أحد الجنود. كانت هذه الحادثة المشهورة نفسها التي في أعقابها حوكم الجنود- الجندي الذي اعتدى بالضرب وصديقه الذي شرح للكاميرا أن "بن غفير سيأتي ويقوم بترتيب الأمور". حينها، بن غفير الذي شعر بالثناء، ذهب والتقط صوراً مع والد الجندي، وفي الوقت نفسه، قام بمهاجمة ضباط الجيش.
  • الحادثة كما يبدو، لم تُذكر خلال تبديل الورديات ما بين "غولاني" و"غفعاتي". وأكثر من ذلك، هذه المرة تغلّب الجيش على نفسه، ولم يتم تصوير الاعتداء بكاميرا عادية، إنما بكاميرا الحائز على جائزة "بوليتسر"، الصحافي لورانس رايت من مجلة "نيويوركر". رايت، وبشكل عادل، أجرى مقابلة بالأمس، بهدف تعزيز رواية عمرو التي تفيد بأنه تم الاعتداء عليه عمداً من الجندي في "غولاني". ولا أقول أبداً إن الواقع الأمني الذي يفرضه الجيش في الخليل سهل الشرح ومقنع - انظروا إلى الفيلم الوثائقي الجديد "الخليل: مختبر السيطرة"، من إخراج عيديت أبراهامي ونوعام شيزاف- لكن الجيش نجح في تسجيل هدف إضافي ضد نفسه في الصراع على "الدعاية".
  • وزير الأمن القومي أيضاً يرفض تعلُّم الدرس. يبدو أنهم نسوا تعليمه أنه الآن جزء من الإدارة، فخرج بن غفير سريعاً للتغريد ببيان إدانة للجيش، قائلاً "مخجل ومخزٍ"؛ مضيفاً "أدعم الجندي بكل قوة لأنه لم يصمت. يجب أن يحصل الجنود على الدعم، وليس السجن." يبدو أنه من الصعب الشرح كيف تسير الأمور لمن لم يخدم يوماً في الجيش، ولكن بذلك، يقوم بن غفير بتخطّي السلسلة الهرمية للجيش. زملاء الجندي في "غولاني" تصلهم الآن رسائل مفادها أن في الخليل يوجد هرميتان قياديتان: الأولى القيادة العسكرية التي أرسلتهم إلى السجن - والثانية التابعة لبن غفير ومجموعته، التي تشجعهم على فعل ما يشاؤون. قريباً، سيلمح لهم بن غفير أن في الإمكان التخلص من مظاهر القضاء والسجن العسكري أيضاً.

 

 

المزيد ضمن العدد