الحكومة الجديدة على مفترق طرق
المصدر
معهد السياسات والاستراتيجيا – جامعة ريخمان، المنظّم لمؤتمر هرتسليا السنوي

من معاهد الدراسات الاستراتيجية المعروفة، ولا سيما المؤتمر السنوي الذي يعقده ويشارك فيه عدد من الساسة والباحثين المرموقين من إسرائيل والعالم. يُصدر المعهد عدداً من الأوراق والدراسات، بالإضافة إلى المداخلات في مؤتمر هرتسليا، التي تتضمن توصيات وخلاصات. ويمكن الاطّلاع على منشورات المعهد على موقعه الإلكتروني باللغتين العبرية والإنكليزية.

المؤلف
  • بعد شهر على تأليف الحكومة، تواجه إسرائيل تهديدات متعددة الأبعاد، تنبع من المزيج ما بين مسارات داخلية سلبية وبين القدرة على التعامل مع تحديات خارجية متصاعدة. الحديث يدور، أولاً وبالأساس، عن خطر تآكل الوحدة الداخلية والحصانة الاقتصادية لإسرائيل، واحتمالات الانجرار الحاد والسريع في مواجهة السلطة الفلسطينية والتهديد المتزايد من إيران.
  • وأكثر من ذلك، فإن الخطوات التي تطمح الحكومة إلى الدفع بها قدماً، تتعارض جوهرياً مع المواقف الأساسية للإدارة الأميركية في قضايا ترتبط بالقيم الليبرالية والعلاقات مع الفلسطينيين. لذلك، يجب النظر إلى التوضيحات المتكررة من الإدارة بخصوص السياسة المتوقعة من الحكومة كتحذير استراتيجي بشأن مستقبل العلاقات بين الدولتين.
  • صحيح أن المسارات المتوقعة سلبية، لكن الحديث يدور عن مسارات يمكن قلبها، ويمكن أن تغيّر الحكومة الاتجاه الذي تتطور فيه هذه المسارات. لذلك، على الحكومة أن تتبنى طريقة أكثر حذراً ونضوجاً سياسياً، كما جرى خلال إخلاء بؤرة "أور حاييم"، وأيضاً من خلال زيارة رئيس الحكومة إلى الأردن، بهدف منع التصعيد والحفاظ على الارصدة الاستراتيجية لدينا، وعلى رأسها العلاقات الخاصة مع الولايات المتحدة والتعاون مع دول "السلام" والتطبيع. التدريب العسكري المشترك مع الجيش الأميركي يدلل على أهمية التنسيق الاستراتيجي العملياتي مع الولايات المتحدة.
  • عملياً، على الحكومة أن توقف نهائياً الدفع بالإصلاحات القضائية، والامتناع من القيام بخطوات تبدو أنها تحضير للضم وتغيير في الوضع القائم في المسجد الأقصى. وفي المقابل، فإن الاستمرار في السياسة الحالية، سيؤدي إلى تأزيم التهديدات التي تقف أمام إسرائيل، ويضر بقدرة الحكومة على صوغ ردّ استراتيجي شامل للتعامل معها.

المنظومة الفلسطينية في حالة غليان

  • مقابل المنظومة الفلسطينية، يتصاعد التوتر الناتج من مزيج ما بين "العنف" في الميدان وبين الأزمة الحادة بين إسرائيل والسلطة في أعقاب حسم أموال العائدات. وفي الخلفية، هناك استياء دولي متصاعد بسبب إسقاطات خطوات الحكومة الجديدة، بالأساس بكل ما يخص موقفها من مكانة السلطة والضرر الذي سيلحق بها اقتصادياً.
  • لذلك، فإن احتمالات أن تكون إسرائيل والسلطة الفلسطينية على مسار اصطدام تتعزز، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى زعزعة مكانة السلطة، التي تعاني أيضاً جرّاء تراجُع مكانتها الجماهيرية وضعف قدرتها على ضبط الميدان. وبالإضافة إلى التحدي القائم بكل ما يخص الفراغ الذي ستتركه ومَن سيملأ هذا الفراغ، ترتفع احتمالات المواجهة كلما اقترب شهر رمضان، الذي سيحلّ في آذار/مارس القادم. التصعيد في الضفة الغربية، وبصورة خاصة إذا كان له علاقة بالمسجد الأقصى، فيمكن أن ينعكس على جبهات أُخرى، ومن ضمنها الجبهة الداخلية في إسرائيل. وليس هذا فقط، إن تصعيداً كهذا يمكن أن تستغله "حماس" التي تحاول الدفع قدماً بعمليات "إرهابية" في الضفة الغربية.

تحذير أردني

  • الهدف من زيارة رئيس الحكومة العلنية الأولى منذ سنة 2018 إلى الأردن، هو بثّ رسالة تعكس أهمية الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية مع المملكة بالنسبة إلى إسرائيل. وجاءت الزيارة في أعقاب "زيارة" الوزير بن غفير إلى المسجد الأقصى، وحادثة منع دخول السفير الأردني إلى المسجد الأقصى. البيان الذي صدر عن الأردن في ختام الزيارة يعكس الحساسية العالية للسياسة الإسرائيلية في المسجد الأقصى، في ظل التخوف من أن تقوم الحكومة الجديدة بتغيير الوضع القائم في الأماكن المقدسة، بشكل يضرّ بمكانة الأردن الخاصة، كما تم صوغها في اتفاقية "السلام".
  • الشراكة الاستراتيجية ما بين إسرائيل والأردن مركّب مركزي في رؤية الأمن القومي الإسرائيلي، وفي المعركة الشاملة ضد إيران والتهديد "الإرهابي". لذلك، على إسرائيل الاستمرار في العمل لتقوية المملكة والامتناع من اتخاذ أي خطوة أحادية الجانب، وخصوصاً في المسجد الأقصى، من شأنها أن تشعل مواجهة "عنيفة" مع الفلسطينيين، وتؤثر في مكانة الملك عبد الله. وفي هذا السياق، نقترح أن تعمل الحكومة على تعزيز مكانة موظفي الأوقاف في المسجد الأقصى وتعزيز التنسيق معهم.

الحرب في أوكرانيا - التصعيد المقبل

  • روسيا وأوكرانيا تتجهزان لتصعيد القتال خلال الأسابيع المقبلة، عندما تسمح حالة الطقس والميدان بذلك. وفي هذا الإطار، تبرز الجاهزية لدى الغرب لتزويد أوكرانيا بمنظومات أسلحة أساسية، وعلى رأسها منظومة "باتريوت" ودبابات متطورة. وهذا ينبع من الفهم أنها الطريقة الوحيدة التي يمكنها أن تسمح لأوكرانيا بكبح الهجوم الروسي المضاد، وفي الوقت نفسه، القيام بهجوم خاص بها.
  • وإلى جانب ذلك، يبدو أن المحور الاستراتيجي ما بين روسيا وإيران لا يزال يتوسع، وهناك حديث عن تزويد إيران بطائرات SU-35 خلال الربيع. عملياً، كلما استمرت الحرب وازداد النقص بالأسلحة لدى روسيا، كلما ازداد اعتماد موسكو على المساعدة العسكرية الإيرانية. ونتيجة لذلك، سيزداد أيضاً استعداد موسكو لمنح إيران قدرات عسكرية وتكنولوجية تساعدها على تعزيز مواقعها.
  • وفي هذه الظروف، فإن الاحتمالات أمام إسرائيل للتغلب على العلاقات الآخذة بالتطور بين روسيا وإيران ضئيلة جداً. لذلك، نقترح على الحكومة تركيز جهودها على الأهداف المحدودة التي تتماشى مع المصالح الروسية- والتأكد من أن روسيا لن تساعد إيران في مجال النووي العسكري، ولا تغيّر سياستها في سورية.
  • على إسرائيل الاستمرار في السياسة الحذرة التي تسمح لها بالوقوف، قيَمياً و"أخلاقياً"، إلى جانب أوكرانيا، وفي الوقت نفسه، الامتناع من مواجهة روسيا، بهدف الحفاظ على حرية الحركة والعمل ضد أهداف إيرانية في المنطقة. نقترح عملياً، على الحكومة الاستمرار في التعبير عن دعمها القاطع لأوكرانيا، وتزويدها بمساعدة واسعة ضمن إطار القيود القائمة، مع الامتناع من تزويدها بمنظومات دفاع جوي وأسلحة أُخرى.

الحصانة القومية - تراجُع وانقسام

  • يمكن القول، بوضوح، ومن دون حسابات إحصائية، أنه وفي مؤشر الوحدة الداخلية الاجتماعية، هناك تراجُع جدّي وواضح خلال الأسابيع الأخيرة داخل المجتمع الإسرائيلي. وهذا بالأساس بسبب خطوات الحكومة في المجال القضائي. ما عرّفته الحكومة كإصلاحات قضائية لتعزيز الديمقراطية، هو بحسب فئات واسعة داخل المجتمع، انقلاب على الحكم، يُضعف الديمقراطية ويعزز نظام حكم مركزي وعدواني.
  • يشير التحليل العملي لمكونات الاصلاحات المقترحة إلى أن هذه التغييرات ستغيّر جوهرياً في نظام الحكم في إسرائيل. فمن جهة، يمكن أن يؤدي التغيير في تركيبة لجنة اختيار القضاة إلى ضرر جدّي على مستوى مهنية القضاة والثقة بهم، كما سيجعل النظام القضائي خاضعاً للحكومة والكنيست. وفي حال تم الدفع قدماً بـ"فقرة التغلب" بأغلبية 61 عضو كنيست فقط، فستسمح للحكومة بالالتفاف على كل قرار للمحكمة العليا، وتجاهُل المبادئ الديمقراطية الكثيرة. أما إبطال "مبرر المعقولية" المتّبع في أغلبية الدول الغربية، فسيضر جدّياً باستقلالية المحكمة وقدرة الفرد على الدفاع عن نفسه أمام السلطات. والخطوة الأخيرة هي تحويل المستشارين القضائيين في مكاتب الحكومة إلى موظفين موالين للوزير، وهو ما يمكن أن يضر بمهنيتهم، ويشكل فجوة يمكن من خلالها اتخاذ قرارات من دون أي قيود قانونية جوهرية.
  • هناك تخوُّف جدّي من إضعاف الديمقراطية، يبدو واضحاً مع تحليل الخطوات التي تنوي الحكومة تطبيقها في المجال القضائي. الهدف من هذه الخطوات هو خلق قدرة حوكمة مطلقة للحكومة ومَن يقف على رأسها، من دون أي إزعاج أو نقد قضائي، كما يجري في الأنظمة الديكتاتورية الأُخرى في العالم. وسيكون لذلك تداعيات سلبية على مكانة إسرائيل وصورتها وحصانتها الاقتصادية في العالم، وكذلك على قدرتها على العمل في مواجهة التحديات الأمنية التي تواجهها.
  • من شأن هذا المسار أن يعمّق، أكثر فأكثر، من التصدع والانقسامات الداخلية في المجتمع الإسرائيلي، في وقت تجري خطوات أُخرى إضافية وسريعة، يمكنها أن تؤثر في قدرة الحكومة على التعامل مع الجهات الدولية، وتعمّق التصدع والانقسام الداخلي في المجتمع الإسرائيلي. فعلى سبيل المثال، في مجال التعليم والعلوم والتديُّن، وفي مجال الخدمة العسكرية، وصلاحيات المرجعيات الدينية العسكرية، وصلاحيات التنسيق في الضفة، بالإضافة إلى مجال المواصلات العامة في أيام نهاية الأسبوع. إذاً، يبدو أن هناك تراجعاً حاداً ومستمراً في مجالات الحصانة الوطنية، يمكنه أن يؤثر مباشرةً في مجال الأمن القومي والاقتصادي الإسرائيلي.