تعاظُم "الإرهاب" من خلال التصدعات في "الجدار الحديدي" الصهيوني
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

  • منذ تجدُّد الهجمات "الإرهابية" في آذار/مارس 2022، تعمل منظومة الأمن الإسرائيلية بشكل مستمر وبـ"شجاعة" عملياتية، بهدف قمع النشاط "الإرهابي". وفي هذا السياق، فإن العمليات التي جرت نهاية الأسبوع تشكل علامة فارقة صعبة في الصراع، لكنها ليست نقطة تحوُّل.
  • وفي العودة إلى السؤال الكبير: لماذا يجري هذا مرة أُخرى؟ من المفضل العودة إلى مقال زئيف جابوتنسكي تحت عنوان "الجدار الحديدي"، والذي نُشر للمرة الأولى في سنة 1923.
  • بتحليل شجاع، ونظرة استثنائية، اعترف جابوتنسكي قبل 100 عام بأن دوافع النضال العربي جدّية وجوهرية، ولذلك، لا يمكن إنهاء الصراع بالاتفاق على النيات الحسنة، أو من خلال منح مقابل ممكن ومناسب. لقد كان جابوتنسكي الأول في القيادة الصهيونية الذي تجرأ على الاعتراف بوجود قومية عربية على "أرض إسرائيل". ومن هذا الاعتراف أقرّ بعدها: "المصالحة بالاتفاق ما بيننا وبين العرب عموماً، لا يمكن أن تتم الآن، ولن تكون ممكنة في المستقبل المنظور." وأضاف: الأوهام بأنهم سيوافقون على تحقيق الرؤية الصهيونية مقابل فائدة ثقافية أو مادية تعود عليهم بسبب المستعمر اليهودي، هو تفكير طفولي."
  • وعلى الرغم من ذلك، عاد وطرح الأمل في واقع فيه هناك قبول عربي بالطريق الصهيوني، بشرط أن تقوم الحركة الصهيونية ببناء قوة صامدة على شكل "جدار حديدي لا يستطيع المجتمع المحلي (العربي) اختراقه."

بن غوريون تبنّى منطق "الجدار الحديدي"

  • بعد عشرة أعوام على نشر "الجدار الحديدي"، وخلال سلسلة لقاءات أجراها بن غوريون مع قيادات عربية، حاول ومن خلال التجربة فحص استنتاجات جابوتنسكي. يصف شفتاي تيفت بالتفصيل في كتابه "بن غوريون وعرب أرض إسرائيل" هذه اللقاءات وتأثيرها في تطوّر رؤية بن غوريون بشأن المسألة العربية. وبحسب تيفت، فإن بن غوريون وصل إلى هذه اللقاءات وكان متفائلاً، ولديه الأمل بإيجاد "أرضية مشتركة للحركة الصهيونية والحركة العربية القومية." إلّا إن هذه اللقاءات زعزعت لديه الافتراض بأنه يمكن سدّ الفجوات بين الطموحات الصهيونية والطموحات العربية. ففي تشرين الثاني/نوفمبر 1935، وفي أعقاب ما قام به عز الدين القسّام الذي "قُتل" في معركة ضد البريطانيين في يعبد، قال خلال جلسة لـ"المباي": "للمرة الأولى، يوجد لدى العرب تل حاي الخاص بهم." وأضاف أنه "يوجد لدينا ظاهرة جديدة تنمو في أوساط العرب... ليست قضية طموح سياسي أو عوائد مالية، إنما التضحية بالذات من أجل "الله"، وفي هذه اللحظة، لا يوجد فقط واحد، إنما آلاف..."
  • مع بداية ثورة 1936، وخلال نقاش في مركز "مباي"، قال بن غوريون إنه وصل إلى استنتاج مفاده أنه "لا يوجد احتمال للوصول إلى تفاهم مع العرب." لذلك، يجب الوصول إلى تفاهمات مع البريطانيين، مضيفاً: "ماذا يمكن أن يدفع العرب إلى تفاهمات معنا؟ الوقائع! فقط بعد أن نتمكن من فرض حقيقة جماعة يهودية كبيرة في أرض إسرائيل، بعد أن يكون هنا قوة يهودية لا يستطيع أحد إزاحتها. حينها فقط، ستكون الظروف ملائمة للحوار مع العرب." هذه الأقوال، من حيث المعنى الحرفي والمضمون، عكست تبنّي بن غوريون الكامل لموقف زئيف جابوتنسكي كما جاء في "الجدار الحديدي" منذ سنة 1923.

الجدار الحديدي وعلاقته بالعقيدة الإسلامية

  • على الرغم من أن جابوتنسكي لم يكن متخصصاً بالعقيدة الإسلامية والتعددية الثقافية العربية، فإن رؤيته تطرّقت إلى جذر الوعي الذي يؤَسَّس عليه نضال المؤمنين بالدين الإسلامي. ما يُعرف اليوم بالمقاومة - توجد له أساسات دينية وقيم إسلامية تشير إلى واجب النضال. المصطلح يشير إلى واجب ديني بعدم ترك النضال من جهة، ومن جهة أُخرى، يعكس الفهم الإسلامي الملتزم بفهم الواقع وضرورة التعامل معه.
  • تشير استراتيجية "الجدار الحديدي" بعلاقتها مع أساسات الوعي الإسلامي إلى أنه وعلى الرغم من أن دافع النضال ضد الصهيونية لن ينتهي أبداً، فإنه في الوقت نفسه، يمكن الوصول معها إلى استقرار وتصالُح موقت. وهذا لا يتم من خلال النيات الحسنة، إنما من خلال تفوّق وإرادة القوة اليهودية. وفي النهاية، وكما في كل منظومة مركّبة، فإن نقطة التوازُن الصامدة للقوة الصهيونية ستكون دائماً عرضة للإهتزاز ولن تكون أبداً نهائية وثابتة، ولذلك، يجب ترميمها وتجديدها كل يوم.

التصدعات الجديدة في الجدار الحديدي

  • يمكن من خلال فهم منطق "الجدار الحديدي" أن يتم تفسير صراعات إسرائيل الحالية. التصدعات في صورة الجدار الحديدي الصهيوني يمكن أن تفسّر، إلى حد بعيد، عودة ارتفاع منسوب المقاومة العربية.
  • هذه التصدعات متعددة الأبعاد، وهذه بعض مميزاتها الأساسية:
  • في البعد المناطقي، هناك اتجاه مقلق في مجال انتشار السكن اليهودي في دولة إسرائيل. هذا الاتجاه يتركز في قيام حكومة إسرائيل بالبناء المركز في حزام الشاطئ، من نهاريا، وصولاً إلى أشكلون. اليهود يتركون المناطق الواسعة في الدولة ويتركزون في أبراج حزام الشاطئ. وفي مناطق واسعة، وبصورة خاصة الجليل والنقب، اليهود تحولوا إلى أقلية واضحة. يعيش نحو 15% من اليهود في وسط الجليل فقط. وهو ما يشير إلى أن المشروع الصهيوني ترك عملياً طموحه بمأسسة سيطرة يهودية على كافة مناطق "أرض إسرائيل". وبكل ما يخص الانتشار الإسرائيلي في مناطق أبعد من حزام الشاطئ، فإن الرسالة الصهيونية التي تفيد بأننا "هنا لنبقى" تتصدع.
  • المجتمع الإسرائيلي تخلى منذ وقت عن جاهزيته للعيش في حالة صراع، والوعي بأننا أمة طلائعية، مسلحة ومجندة. الادّعاء السائد هو أن الدولة أقيمت وأيام الطلائعية والتضحية انتهت. المجتمع الإسرائيلي يميل إلى إنكار الحقيقة البسيطة، وهي أن الدولة، ككل ظاهرة طبيعية وإنسانية، موجودة في دائرة دائمة من التطور والتراجع، وفي حالة تقلُّب دائم بين الاستقرار والصراع، بين النمو والتراجع، بين النهوض والانهيار. لذلك، فإن انهيار الوحدة الوطنية والصراعات الآخذة بالازدياد بشأن الهدف القومي المشترك هي بمثابة إشارة إلى شقوق آخذة بالتوسع في أساسات الجدار الحديدي. الاحتجاجات الاجتماعية للمواطنين اليهود الذين يهددون أنه في ظروف سياسية مختلفة سيجدون طريقهم إلى المنفى من جديد، تؤدي إلى تصدعات كبيرة.
  • في هذه الظروف، الواجب الأساسي للقيادة القومية الإسرائيلية هو إعادة بناء الجدار الصهيوني الصلب والمتعاضد.