تغيير سياسات أسر الأسرى "الأمنيين" - بين الصحيح والممكن
تاريخ المقال
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي
–
مباط عال
معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- إعلان وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير فيما يتعلق بـ "وقف المخيم الصيفي" للأسرى "الأمنيين" الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وكذلك زيارته، المضخّمة إعلامياً، إلى سجن "نفحة" في مطلع كانون الثاني/يناير 2023، بعد أيام على تولّيه المنصب، أدّيا إلى رصّ الصفوف في الساحة الفلسطينية، وبشكل فوري.
- بالعودة إلى نيات الوزير بن غفير المعلنة بشأن التضييق على الأسرى "الأمنيين"، أو أقوال الناطق باسمه: "وصل الوزير بن غفير إلى المكان ليتأكد من أن ظروف الأسرى لا تتحسن"، تظهر عدة أسئلة أساسية:
- هل من الصواب تشديد سياسات الأسر الخاصة بالأسرى الأمنيين؟
- ما هي احتمالات ردّة فعل الأسرى في السجون، وردّة فعل الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، والعرب في إسرائيل؟
- هل يمكن القيام بالتغييرات في الوقت الحالي؟ وهل مصلحة السجون جاهزة للقيام بالتغييرات المطلوبة بكل ما يخص السجون، ولديها حجم القوات المطلوب للتعامل مع النتائج الممكنة لهذه التغييرات؟ هل الشرطة جاهزة للتعامل مع مواجهات متوقعة في المجتمع العربي، أو في المدن المختلطة، والتي ستندلع نتيجةً لتشديد ظروف الأسرى؟ هل الجيش جاهز للتعامل مع تصعيد حاد في الضفة الغربية وقطاع غزة؟
- هل هناك بدائل من ظروف الأسر الحالية، بما معناه صوغ خطة تدريجية لتقليص الفجوة ما بين الوضع القائم والتغيير الذي يريده الوزير؟
- صحيح، الوضع القائم في السجون الأمنية في إسرائيل يحتاج إلى تغيير، لكن ليس بالضرورة أن تكون كل خطوة محقة هي أيضاً ذكية في كل وقت وكل ظرف. من الواضح أن الأسرى الأمنيين في إسرائيل لديهم حكم ذاتي إداري، والكثير من الامتيازات، أكثر مما يسمح به القانون الإسرائيلي والقانون الدولي. ومن المؤكد أن ظروفهم مريحة أكثر من تلك الموجودة في دول غربية أُخرى - حتى لو أخذنا بعين الاعتبار عدد الاسرى وسِماتهم. الحديث يدور عن ظروف تبلورت خلال سنوات، انطلاقاً من الحاجة إلى الهدوء والاحتواء، وكان هذا كله بدعم من المستوى السياسي الذي بحث وأجرى حساباته وفهم الإسقاطات الممكنة لقضية الأسرى، كقضية مركزية لدى الفلسطينيين، بغض النظر عن أي فلسطينيين.
- الأسرى هم محط إجماع داخل المجتمع الفلسطيني، وقضية توحد بين التيارات المختلفة، وهم بالأساس قضية قادرة على استقطاب المجتمع الواسع للنضال، حتى لو كان عنيفاً. السلطة الفلسطينية لم تعبّر أبداً عن أي موقف يتعارض مع الموقف الجماهيري بشأن قضية الأسرى، ومن غير المتوقع أن تقوم بهذا الآن. وأكثر من ذلك، السلطة الفلسطينية تمجّد الأسرى، تدفع لهم ولعائلاتهم مبالغ مرتفعة، تصل إلى 7% من موازنتها السنوية. كل تغيير في هذه السياسة سيضرّ بشرعيتها الشعبية، الآخذة بالتراجع أصلاً. إذاً، الحديث يدور عن قضية وطنية، لها أساسات أيديولوجية، قادرة على التجنيد من حولها بمجرد وجودها.
- فرضية العمل على المستوى السياسي يجب أن تنطلق من أن تصعيداً حاداً سيحدث على ثلاث جبهات (الضفة، وقطاع غزة، والمواطنون العرب في إسرائيل - المدن المختلطة)، في حال أصبحت ظروف الأسرى الأمنيين أكثر سوءاً. وإن كانت هذه هي نقطة الانطلاق، فيجب التحضير لها مسبقاً وعلى جميع الصعد - التنظيمات، قوات الأمن، الموارد، وليس بدرجة أقل - المجتمع الإسرائيلي. للمستويات المهنية أهمية عالية في تحضير المستوى السياسي، الذي يجب عليه إيجاد طريقة للتغلب على عدم الثقة بالمستويات المهنية. وفي هذا الإطار، على المستوى السياسي، التغلب على عدم ثقته الكافية بالشرطة ومصلحة السجون، وإشراكهما بمسار التغيير. كما عليه أن يطلب وجهة نظر مهنية بشأن التضييق على الأسرى والتحضيرات للتطبيق، بحسب الأهداف والسياسات التي ستُقر.
- قبل المضي في تغيير السياسات، يجب البحث في فرز مجتمع الأسرى، والتفريق ما بين أسرى خطيرين أيديهم ملطخة بالدم، وبين آخرين قاموا بـمخالفات أقل خطورة. كذلك يجب التفريق ما بين شبان صغار السن وما بين الكبار، بين مرضى وأصحاء. ويمكن أن يكون من الأفضل القيام بتغييرات تدريجية إزاء قسم من الأسرى، وفي الوقت نفسه، تقديم تسهيلات إلى فئة أُخرى. والفصل ما بين الأسرى، يجب أن يكون هناك سجون إضافية، بهدف عزل أسرى خطيرين. وهذا، كي تظهر صورة رحمة ومسؤولية تجاه الخارج. هذا بالإضافة إلى أنه يجب بحث البدء بنموذج يتم في إطاره تخصيص سجن واحد من السجون، يتم التضييق فيه على أسرى خطيرين، أو عمّن يخلّ بالنظام، ويجب أن يتم تخطيط كيفية تطبيق السياسة الجديدة ضمن إطار نظري وسلسلة بدائل.
- والأهم، سيكون من الخطأ فصل قضية الأسرى عن بقية مكونات القضية الفلسطينية. بما معناه: يجب أن يكون التغيير في سياسات الأسر جزءاً من منظومة شاملة ومن عدة أهداف استراتيجية واضحة تتعلق بالساحة الفلسطينية. يجب القيام بالتغييرات كجزء من خطوة استراتيجية شاملة، على الرغم من أنه من المستبعد أن تكون حكومة إسرائيل قد حددت ما هو هدف التغييرات التي ينوي الوزير بن غفير القيام بها. لذلك، فإن توقيت التغيير في سياسات الأسر مهم جداً.
- التغيير في ظروف الأسرى الأمنيين مطلوب، لكن وبسبب التداعيات الواسعة والخطِرة لهذا التغيير، يجب أن ينصبّ التفكير على الأهداف الاستراتيجية بشأن الساحة الفلسطينية، وكذلك بناء منظومة شاملة من الخطوات والسياسات، وتكون سياسة الأسر جزءاً منها. وفي حال لم يكن الأمر كذلك، فإن تطبيق نيات بن غفير المعلنة يمكن أن يؤدي إلى مواجهة حادة، قد تتدحرج إلى انتفاضة ثالثة لم تكن إسرائيل معنية بها، وبالتالي لم تستعد لها أيضاً. وبالإضافة إلى اشراك المنظومات المختلفة ذات الصلة بالتفكير المسبق والتحضير، يجب اعداد المجتمع الإسرائيلي على مستوى الوعي، الذي من غير المستبعد أن يضطر إلى مواجهة التصعيد في ساحة الصراع. ومن الأسهل على المجتمع أن يفهم ويوافق على خطوة لها جدوى استراتيجية واضحة، بدلاً من التعامل مع خطوة هدفها الاستغلال السياسي غير المسؤول تستند إلى افتراض - ليس بالضرورة صحيحاً - أن دعم هذه الخطوة مضمون سلفاً، من دون البحث بعمق في عواقبها.