العملية في جنين أثبتت أن الشبان الفلسطينيين لا يخافون من الموت في مواجهات مع إسرائيل
تاريخ المقال
المصدر
- لقد كان من المفترض أن تكون عملية محدودة جداًـ وبالفعل بدأت كذلك. قوة من المستعربين تخفّت في شاحنة لمنتوجات الألبان، بحسب تقارير فلسطينية، ووصلت إلى وسط مخيم اللاجئين في جنين، حيث كانت تختبىء خلية من "المخربين" وتخطط لهجوم في وقت قريب. اصطدمت قوة المستعربين بمسلحين، وتطوّر الحادث إلى عملية واسعة جداً في وضح النهار في وسط المخيم.
- في المرحلة الأولى من العملية، أصيب مسلحان وسلّم ثالث نفسه. المسلحون في المخيم يعرفون أنه في حوادث من هذا النوع يمكنهم، ببساطة، الانسحاب قليلاً والمكوث في منازلهم والسماح للقوة الإسرائيلية بالخروج. لكن العشرات منهم فضلوا مواجهة القوة الإسرائيلية، مع استعدادهم للموت، أو للإصابة بجروح. وخلال وقت قصير من العملية، أُعلن مقتل 9 فلسطينيين وامرأة لا علاقة لها بما يحدث.
- على الصعيد العسكري، هذه العملية كانت ناجحة، وأدت إلى إحباط هجوم. لكن العملية في جنين أثبتت ما لاحظه الجانب الإسرائيلي منذ وقت طويل، وهو أن المئات أو الآلاف من الشبان الفلسطينيين لا يخافون من الموت، أو الإصابة بجروح، خلال مواجهاتهم مع إسرائيل. كُتبت على عدد كبير من نُصب القتلى من المسلحين، وعلى جدران مخيمات اللاجئين، عبارة "احذروا الموت الطبيعي. لا تموتوا إلاّ تحت زخات الرصاص" (عبارة مأخوذة من الكاتب غسان كنفاني، من الجبهة الشعبية). يبدو أن العديد من الشبان في الضفة الغربية يجعلون هذه العبارة شعاراً لهم في الحياة، أو بالأحرى في الموت.
- في الأمس، قُتل 9 فلسطينيين في جنين وآخر في رام الله، وبلغ عدد القتلى منذ بداية هذه السنة 30 قتيلاً خلال 26 يوماً فقط. في السنة الماضية، بلغ عدد القتلى من الفلسطينيين 155قتيلاً، وفي سنة 2021، 80 قتيلاً. وهذا يعني أن وتيرة الحوادث والمعارك ترتفع بصورة لم نعرفها في الأعوام الأخيرة. والحافز لدى الشباب الفلسطيني على محاربة الجانب الإسرائيلي يرتفع أيضاً، ولا يبدو أن شيئاً في الأفق السياسي أو الأمني يمكنه أن يغيّر هذا التوجه.
- يمكن التقدير أن الهجوم الذي أُحبط في الأمس جرى تمويله من جهات خارجية، لكن الحافز المحلي موجود من دون مساعدة خارجية. كل العناصر التي يمكن أن تدل على استمرار التصعيد موجودة وتزداد: الدين - أي الحرم القدسي قبيل شهر رمضان الذي سيبدأ بعد شهر ونصف الشهر، الوضع على الأرض - المواجهات المتواصلة والمتزايدة بين فلسطينيين ومستوطنين في شتى أنحاء الضفة الغربية، الدم- أي العدد الكبير من الإصابات. كل هذه العناصر تشكل برميلاً من البارود الذي نجلس فوقه في هذه الأيام، من دون أفق للتهدئة. وبالطبع، فإن تركيبة الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل لا تساعد على تهدئة الأجواء وإيجاد شريك حقيقي في الجانب الفلسطيني.
- وكما هو متوقع، قررت السلطة الفلسطينية في الأمس وقف التنسيق الأمني "بكل صُوَره" بعد العملية في جنين. يمكن عدم الأخذ بجدية بهذه الخطوة، لكن من الواضح أنه سيكون لها أثمان. ومع ذلك، يجب القول إن السلطة الفلسطينية غير موجودة في جنين، وبالتأكيد ليس في مخيم اللاجئين. ولقد توقفت عن محاولة فرض حكمها على المكان. وليس المقصود فقط مسائل أمنية لها علاقة بإسرائيل، بل المقصود أمور بسيطة، مثل حركة المرور، أو أي مظهر من مظاهر القانون والنظام. وهكذا سمحت السلطة بتحويل مخيم اللاجئين في المدينة إلى مركز للفوضى المحلية. فالشبان المحليون الذين لا ينتمون، في أغلبيتهم، إلى تنظيم معين، على الرغم من الصعود الكبير في قوة الجهاد الإسلامي في المدينة، فإن معظمهم يتحرك وفق الهوية المحلية، أي "ابن المخيم". وهم يتوحدون تحت تنظيم يسمي نفسه "كتيبة جنين"، وليس لديهم بالفعل مصدر سلطة واضح.
- في أماكن أُخرى من الضفة، مثل الخليل، يوجد نوع من "الانتماء" العشائري، بيْد أن زعماء العشائر في مخيم اللاجئين في جنين لا يريدون، ولا يستطيعون فرض سيطرتهم على المكان. ومع ذلك، يجب التشديد على أنه على الرغم من خصوصية جنين، فإن دوافع الشباب الفلسطيني إلى محاربة إسرائيل لا تنحصر فقط في شمال الضفة (جنين ونابلس)، إذ إن إطلاق النار على الجنود الإسرائيليين في أثناء عملهم في شرق الضفة تحول إلى ظاهرة منتشرة في الضفة كلها، وأيضاً في بيت لحم (وبدرجة أقل في الخليل)، وعلى خط قلنديا وشمالها.
- السؤال الكبير الذي لا يزال مفتوحاً: كيف سيكون ردّ "حماس" والجهاد الإسلامي في غزة. من السهل جداً على التنظيمين ترك الضفة تشتعل من دون تدخُّل قطاع غزة. فالأحداث التي وقعت في أيار/مايو 2021، خلال عملية حارس الأسوار، تسببت بمشكلات لـ"حماس". لكنها الآن تشعر بأن عليها الرد على أحداث الضفة (أو القدس الشرقية)، ولا سيما في ضوء توقعات الجمهور الفلسطيني بالرد على مقتل 10 فلسطينيين. لكن على الرغم من أنها لا تريد جولة قتال إضافية، فإنها أطلقت صواريخ خلال الليل. في جميع الأحوال، يمكن التقدير أن حادثة من نوع الحادثة التي وقعت في جنين لن تكون الأخيرة، ومن الصعب الرهان على استمرار الهدوء في غزة.